يُتابع المُختصون الجويون في مركز طقس العرب الإقليمي الظروف الجوية المُناخية التي يشهدها البحر الأبيض المُتوسط مؤخرًا، حيث قال المُختصون في مركز طقس العرب إن البحر المُتوسط يشهد موجة حارة بحرية شديدة منذ بداية شهر أوت 2024، والتي لا تزال تؤثر على مياه المُتوسط، مما يتسبب في ارتفاع مُتصاعد في درجة حرارة سطح المياه. حيث تجاوزت درجة حرارة سطح المياه المُعدلات المُناخية بأكثر من 5 درجات مئوية، وخصوصًا في الجزء الأوسط منه.
وأشار الخبراء في مركز طقس العرب إلى أن القراءات الواردة من النمذجة الحاسوبية المُتطورة، والتي تُبين درجة حرارة المُسطحات المائية، تشير إلى أن البحر الأبيض المُتوسط، كغيره من المُسطحات المائية، يشهد ارتفاعًا ملحوظًا في درجة حرارة سطح المياه، حيث تصل درجة حرارة بعض الأجزاء، وبخاصة في وسطه، إلى 31 درجة مئوية، وهي درجة حرارة حارة نسبيًا وغير مُعتادة بالنسبة للبحر المُتوسط، حتى إنها كسرت الرقم المُسجل في عام 2023 للشهر ذاته، والذي بلغت فيه درجة حرارة المياه حوالي 30 درجة مئوية.
ومن المُتوقع، بحسب النمذجة الحاسوبية، أن يستمر تأثر البحر المُتوسط بموجة الحر البحرية خلال الأيام القادمة، مما يُرجح تسجيل المزيد من الارتفاع في درجة حرارة سطح المياه خلال ما تبقى من شهر أوت . (وبشكل مُبسط، يُمكن تعريف موجات الحر البحرية (Marine Heatwaves) بأنها فترات طويلة من درجات الحرارة المرتفعة بشكل غير طبيعي في المياه السطحية للمحيطات والبحار. يمكن أن تستمر هذه الموجات من عدة أيام إلى عدة أشهر، وتزداد هذه الموجات في التكرار والشدة نتيجة لتغير المناخ وارتفاع درجات حرارة الأرض).
وبحسب آخر التقارير الصادرة من مراكز مُراقبة البحار والمُحيطات حول العالم، والتي صدر آخرها من المركز المُتوسطي للدراسات البيئية (CEAM)، فإن البحر الأبيض المُتوسط يواصل تحطيم الأرقام القياسية لمتوسط درجة الحرارة السطحية اليومية. وفي الفترة ما بين 10 و14 أوت، تم تسجيل قيم أعلى من الرقم القياسي السابق المسجل في عام 2023. وقد رُصدت القيمة القصوى في 13 أوت2024 بواقع 28.22 درجة مئوية، وهو أعلى مُتوسط يومي لدرجة حرارة البحر المُتوسط منذ جانفي عام 1982، أي منذ 42 عامًا.
وقد قال المُختصون الجويون في مركز طقس العرب إن ارتفاع حرارة البحر الأبيض المُتوسط يؤدي إلى زيادة عمليات التبخر ويحقن الغلاف الجوي بكميات كبيرة من بُخار الماء، مما يزيد من رطوبة الهواء فوق البحر. وهذا الهواء الرطب يمكن أن يتسبب في تكوين سحب كثيفة وعواصف رعدية خلال فصل الخريف، أثناء عبور الأحواض العلوية الباردة بفعل الفوارق الحرارية الحادة التي تحدث بين الأحواض العلوية ودرجة حرارة المياه. كما أن الفروقات الكبيرة في درجات الحرارة بين البحر واليابسة المجاورة يمكن أن تعزز التيارات الهوائية الصاعدة والهابطة، مما يزيد من عدم الاستقرار الجوي خلال فصل الخريف. ومن المُتعارف عليه أنه كلما كانت الفروقات الحرارية أكبر، كانت الاضطرابات الجوية ذات شدة أعلى وتنشأ خلالها سُحب رعدية شاهقة الارتفاع، والتي تجلب ظواهر جوية مُتعددة مثل العواصف البردية الشديدة ذات الأحجام الكبيرة وهطول غزير جدًا للأمطار خلال فترة زمنية قصيرة.
وأشار المُختصون الجويون في طقس العرب إلى أن هذه الظروف الجوية الدافئة جدًا والرطبة في البحر الأبيض المُتوسط قد تكون بيئة خصبة تساهم في تكون العواصف المتوسطية (Medicanes)، والتي تشبه العواصف والأعاصير المدارية من حيث الهيكل والظواهر الجوية المُصاحبة، ولكنها تحدث في منطقة البحر المتوسط.
وتعتبر العواصف المتوسطية ظواهر جوية شبيهة بالأعاصير المدارية تحدث في البحر الأبيض المتوسط. تأتي تسمية “ميديكين” من دمج كلمتي “ميديتيرانيان” (البحر المتوسط) و”هاريكين” (إعصار). تتميز هذه العواصف بخصائص مشابهة للأعاصير المدارية، مثل العيون الهادئة والرياح القوية التي تدور حول المركز. وتُعتبر درجة حرارة البحر بمثابة وقود لتكون هذا النوع من الحالات الجوية، ولكنها تحتاج لظروف جوية خاصة مثل انفصال الحوض العلوي البارد عن الدورة العامة للتيار النفاث ومكوثه فترة طويلة فوق المياه حتى يبدأ يكتسب الخصائص التي تُشبه الخصائص الاستوائية.
وعلى صعيدٍ مُتصل، قال المُختصون في طقس العرب إن الظروف الجوية التي يشهدها البحر الأبيض المُتوسط تُعتبر استثنائية ونادرة، مما يجعل جُل الأنظار تتجه إليه خلال الأشهر القادمة، لا سيما مع دخول الخريف وتغير الأنظمة الجوية فوق النصف الشمالي من الكرة الأرضية، حيث يُعتبر البحر المُتوسط بيئة خصبة للاضطرابات الجوية القوية في حال توافر الشرارة اللازمة لذلك، وهي نزول الأحواض العلوية الباردة.