رغم التحذيرات والدعوات المتتالية التي أطلقها خبراء تونسيون ودوليون من أن الاعتماد على الطاقة الخضراء أصبح ضرورة ملحة الا أن الأمر بقي يراوح مكانه ومازالاصحاب القرار يراوحون مكانهم دون أي تقدم واضح .
فعلى سبيل المثال يأتي المغرب على رأس قائمة الدول المغاربية في مجال توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، متقدما على الجزائر، التي احتلت الرتبة السابعة بـ454 ميغاواط، وموريتانيا التي جاءت في الرتبة العاشرة بـ65 ميغاواط، بينما احتلت تونس الرتبة الحادية عشرة بإنتاج لا يتعدى 30 ميغاواط.
ففي جوان الماضي جدد الخبير الدولي في الطاقة، عماد درويش دعوته الى الاسراع في انتاج الهيدروجين الأخضر قبل فوات الأوان . وقال درويش أنه “إذا لم تُنتج تونس الهيدروجين الأخضر قبل 2028 ستُجبر على توريده بالعملة الصعبة”.
الدرويش كشف خلال استضافته في برنامج ستوديو شمس على أنه في تونس لا يوجد الإطار القانوني لإنتاج الهيدروجين الأخضر مبرزا أن سعر الطن منه يقدر بـ7 آلاف دولار وفي حال شرعت تونس في إنتاجه ستكون له مردودية مهمة بالعملة الصعبة.
وتابع درويش بأن تونس قادرة على الشروع في إنتاج الهيدروجين الأخضر بداية من 2025 و2026 لافتا غلى أن تونس يحب أن تكون الدولة الأولى التي تصدر الهيدروجين إلى أوروبا.
وقال ضيف شمس أف أم إنه إذا بدأت تونس إنتاج الهيدروجين فإنها في ظرف 10 سنوات ستتخلى عن توريد المحروقات خاصة وأنه بحلول سنة 2035 الطائرات ستعتمد عليه وكذلك السيارات.
وفي وقت سابق أكّد المدير العام العام للكهرباء والانتقال الطاقي بوزارة الصناعة، بلحسن شيبوب، قدرة تونس على تصدير ما بين 5،5 و6 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر نحو أوروبا بحلول سنة 2050.
واستنادا إلى أرقام للمبادرة الأوروبية ‘European Hydrogen Backbone’، وهو مشروع لشبكة أوروبية لنقل الهيدروجين عبر خط أنابيب الغاز، أفاد المسؤول، إلى أن هذه الكمية ستشكل حصة تونس من الواردات المبرمجة من أوروبا، خاصة من تونس والجزائر وليبيا (11 مليون طن من الهيدروجين الأخضر).
وأكّد شيبوب، في ذات السياق، ان تونس تمتلك كل الامكانيات الضرورية لانتاج الهيدروجين الأخضر بتكاليف تنافسية على المدى القصير والمتوسط والتموقع كمزوّد لأوروبا.
واليوم صنف تقرير “الاستثمار العالمي لعام 2023″، الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) تحت عنوان “الاستثمار في الطاقة المستدامة للجميع”، المغرب ضمن أوّل عشرة اقتصادات نامية حسب حجم جاذبية الاستثمار الدولي في الطاقات المتجددة خلال الفترة الممتدة بين عامي 2015 و2022.
وأفادت معطيات وبيانات تضمنتها صفحات التقرير الأممي، بأن المملكة المغربية من الدول الرائدة التي دشنت مسارا واعداً في الاستثمارات المرتبطة بمصادر الطاقة الأخرى منخفضة الانبعاثات (low-emission energy sources).
في معظم البلدان النامية الـ10 ذات أعلى مستويات الاستثمار الدولي في الطاقة المتجددة، يمثل الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة “ما بين عُشر وثُلث مجموع الاستثمار الأجنبي المباشر”.
بعد تايوان التي تصدرت اللائحة بنسبة 63 في المائة من جذب مشاريع الطاقات المتجددة في الدول النامية، متبوعة بالشيلي (54 بالمائة)، جاء المغرب في المركز الثالث بنسبة 34 في المائة، حسب ما طالعته هسبريس في التقرير سالف الذكر.
ولفتت المعطيات ذاتها إلى أن الاستراتيجية الوطنية للطاقات المتجددة التي انتهجها المغرب منذ أكثر من عقد، مكّنته من نسبة تمثيلية قدْرُها 3 في المائة من الحصص الإجمالية التي تملكها البلدان النامية العشرة التي صنفتها الأمم المتحدة في التقرير الأممي.
“اتساع فجوة” الاستثمارات المستدامة
كشف تقرير “الاستثمار العالمي لعام 2023” عن “اتساع فجوة عجز الاستثمار السنوي الذي تواجهه البلدان النامية أثناء عملها على تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030″، منبهاً إلى أنها “تبلغ-حاليا-حوالي 4 تريليونات دولار سنوياً، مسجلة ارتفاعاً بـ2.5 تريليون دولار مقارنة بعام 2015″، (السنة التي تم فيها اعتماد أهداف التنمية المستدامة)، وهو ما يعني أن “فجوة الاستثمار في هذه الأهداف الأممية تتسع على الرغم من نمو التمويل المستدام”.
“الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي (FDI) انخفض بنسبة 12% في 2022″، يورد التقرير الأممي قبل أن يحلل كيفية تأثير سياسة الاستثمار واتجاهات الأسواق المالية على الاستثمار في أهداف التنمية المستدامة، لا سيما في الطاقات النظيفة.
ومن أبرز الخلاصات أن “البلدان النامية بحاجة إلى استثمارات سنوية في الطاقة المتجددة تناهز 1.7 تريليون دولار”، إلا أنها اجتذبت السنة الماضية 544 مليار دولار فقط من الاستثمار الأجنبي المباشر في الطاقة النظيفة، شارحا: “على الرغم من أن الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة تضاعفت ثلاث مرات تقريبًا منذ عام 2015، إلا أن معظم الأموال ذهبت إلى البلدان المتقدمة”.
قارياً، وفضلا عن المغرب، يُنتَج الهيدروجين الأخضر في كل من النيجر وناميبيا ومصر وموريتانيا وجنوب إفريقيا، وفق تقرير “أونكتاد” الذي أكد أن ثلاثة أرباع المشاريع في هذه البلدان تُنتج الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام الطاقة المتجددة (الهيدروجين الأخضر). بينما يتوزع معظم كبار المستثمرين بين شركات أمريكية ونظيراتها من أوروبا (بما في ذلك شركات ليند (المملكة المتحدة)، وإينيل (إيطاليا)، وإير ليكيد (فرنسا)).
توصيات
التقرير دعا إلى تقديم “دعم عاجل إلى البلدان النامية” لتمكينها من اجتذاب المزيد من الاستثمارات ومرافقة انتقالها إلى الطاقات النظيفة. كما اقترح إبرام اتفاق يحدد الإجراءات ذات الأولوية، بدءاً بآليات التمويل وانتهاء بسياسات الاستثمار، لضمان توفير الطاقة المستدامة للجميع.
وشددت الأمينة العامة لـ”أونكتاد”، ريبيكا غرينسبان، في تعليق لها ضمن التقرير، على أنه “من المهم جدا تحقيقُ زيادة كبيرة في الاستثمار في نظم الطاقة المستدامة في البلدان النامية لكي يتمكن العالم من بلوغ الأهداف المناخية بحلول عام 2030”.
المغرب ثالث بلد جاذب لاستثمارات الطاقات المتجددة
كما كشف التقرير أن المغرب يمتلك حصة تفوق الثلث (بنسبة 34 في المائة) من مجموع القيمة الإجمالية لمشاريع الطاقة المتجددة عبر العالم، لا سيما في “الدول العشر الأولى” النامية والصاعدة، وهي البرازيل وفيتنام والشيلي والهند وكازاخستان وتايوان ومصر والمكسيك وإندونيسيا.
وتمكنت المملكة المغربية من رفع نسبة الكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة في عام 2022 إلى 38 في المائة، مسجلة نحو 4.03 جيغاواط، مقابل 3.95 جيغاواط في عام 2021.