*** المؤرخ الروسي فياتشيسلاف موسونوف حول حصار لينينغراد : إنه كان من المستحيل رفع الحصار تحت تلك الظروف كما كان من المستحيل تجنبه.
بعد اعلان وزير الدفاع الإسرائيلي فرض حصار كامل على غزة، لا كهرباء، لا طعام ولا ماء ولا غاز عادت الى أذهان الكثير من الناس وخاصة المؤرخين منهم أشباح الماضي .
فالرئيس الروسي فلادمير بوتين لم يتردد اليوم في تشبيه الحصار الإسرائيلي المحكم لقطاع غزة “غير مقبول” بالحصار النازي لمدينة لينينغراد السوفييتية إبان الحرب العالمية الثانية.
ورأى بوتين خلال مؤتمر صحافي في بشكيك عاصمة قرغيزستان، أن إسرائيل تستعد لتقوم بما “يشبه حصار لينينغراد”، مؤكدا أن “هذا غير مقبول، أكثر من مليوني نسمة يعيشون فيه، لا يؤيد الجميع حركة حماس”.
وأول أمس قال الصحفي الأمريكي البارز سيمور هيرش أن السلطات الإسرائيلية تبحث قطع المياه والغذاء والكهرباء عن غزة، عوضا عن اقتحام القوات الإسرائيلية للقطاع.
وقارن الصحفي الأمريكي، هذا الخيار بحصار القوات الألمانية لمدينة لينينغراد خلال الحرب الوطنية العظمى .
ولكن ماذا نعرف عن هذا الحصار
قال المؤرخ نيكيتا لوماغين، الأستاذ في الجامعة الأوروبية بمدينة سان بطرسبرغ، “حددت القيادة النازية بوضوح نواياها فيما يتعلق بلينينغراد، وكان الهدف تشديد الحصار إلى أقصى حد وقطع الموارد عن المدينة، على أمل أن تستسلم المدينة بسرعة لعدم توفير الموارد اللازمة لملايين الأشخاص”.
بدأ حصار لينينغراد باحتلال الألمان لقلعة شليسلبورغ في 8 سبتمبر عام 1941، ليستمر نحو 900 يوم، توفي خلالها أكثر من 600 ألف شخص جراء القصف والمجاعة والبرد.
حاصرت القوات الألمانية لينينغراد من اليابسة، لتبقى بحيرة “لادوغا” الطريق المائي والوحيد الذي يربط المدينة بالبلاد، خاصا في فصل الشتاء حينما يتجمد سطح البحيرة.
عبر هذا الممر المائي الجليدي الوحيد الذي حمل اسم “طريق الحياة” كان الجنود السوفيت والأهالي ينقلون الإمدادات من الأغذية والوقود للمحاصرين، ويقومون بإجلاء الأطفال والنساء والمرضى والجرحى من المدينة، متحدين القصف الألماني المتواصل وبرودة الطقس، إذ كان شتاء عامي 1941 و1942 من أصعب مراحل الحصار.
فخلال ذاك الشتاء وحده سقط 360 ألف مواطن سوفيتي تحت وطأة القتال والجوع والبرد، ما يساوي تقريبا عدد ضحايا بريطانيا على مدار الحرب العالمية الثانية كلها.
كانت لينينغراد محاصرة بالقوات الألمانية من اليابسة. لكن بحيرة لادوغا كانت طريقا مائيا وحيدا يربط المدينة بالبلاد. وأطلق عليه “طريق الحياة” الذي مرت به إمدادات الأغذية والوقود رغم القصف الألماني المستمر.
وكانت البحيرة تتجمد في وقت الشتاء مما سمح بإجلاء الأطفال والنساء والمرضى والجرحى من المدينة. وكان شتاء عامي 1941 و1942 أصعب مرحلة في تاريخ الحصار.
وبنتيجة حملة “إيسكرا” أي “الشرارة” التي شنتها القوات السوفيتية منتصف جانفي عام 1943 تم اختراق الطوق العسكري الألماني حول المدينة.
وتمكن الجنود السوفييت في 18 جانفي عام 1943 من فتح ممر على طول ضفة بحيرة لادوغا ليصل إلى مدينة لينينغراد المحاصرة. لتبدأ بذلك عملية كسر حصار المدينة الذي استمر 872 يوما.
أما الكسر النهائي لحصار لينينغراد فلم يتحقق إلا بعد عام، أي في يناير عام 1944 حين انتقلت قوات جبهتي لينينغراد وفولوخوف يوم 14جانفي إلى الهجوم بعد تحرير مدينة نوفغورود. واضطرت القوات الألمانية التابعة للجيش الـ18 إلى الانسحاب مهددة بالمحاصرة التامة وتقدمت القوات السوفيتية إلى مسافة 60 كيلومترا لتكسر الحصار تماما. ويعتبر يوم 27 جانفي عام 1944 آخر أيام الحصار.
مرت عقود عدة على كسر الحصار عن لينيغراد، إلا أن صفحات التاريخ القاسية بقيت محفورة في ذهن أهالي لينينغراد وأبنائهم وأحفادهم والشعب السوفيتي والروسي ككل.