قدم هشام العجبوني القيادي في التيار الديموقراطي وخريج معهد الدراسات التجارية العليا تحليلا معمقا حول علاقة التونسي بالشيك مدعوما بالأرقام والأمثلة ليعبر عن مخاوفه من التأثيرات السلبية التي سيخلفها القانون الجديد للشيك على أهم محرك اقتصادي للدول الا وهو الاستهلاك يقول العجبوني في تدوينته ان هم هدف عند صياغة أو تنقيح أيّ قانون هو العمل على حلّ إشكاليّات هامّة مطروحة ومستحدثة ، بهدف تغيير واقع البلاد و مواطنيها نحو الأفضل.
وبالتالي، كل مشروع قانون يجب أن تسبقه ضرورة دراسة تداعيات ودراسة الجدوى على المستوى الإجتماعي و الإقتصادي والمالي، حتى نحدّ و نتوقّى من آثاره السلبية و العكسيّة.
هل كان التعامل بالشيكات يمثّل في الواقع مشكلة كبيرة في البلاد تقتضي التحرّك بسرعة و التغيير الجذري (بدون تدرّج في الزمن) لكلّ المنظومة؟
للإجابة على هذا السؤال، إليكم بعض الأرقام المتعلّقة بالشّيكات عند طرح تنقيح القانون، مصدرها البنك المركزي التونسي :
* في السداسي الأول لسنة 2024 تمّ إصدار 12,25 مليون شيك بما يعادل قيمة 61,75 مليار دينار.
* يمثّل التعامل بالشيكات حوالي 37٪ من عدد عمليّات الدفع و 53٪ من قيمتها.
* في السداسي الأول لسنة 2024 تم إصدار 177625 شيك بدون رصيد، وهو ما يمثّل 1,45% من عدد الشيكات التي تم إصدارها، وهو ما يعادل قيمة 1,44 مليار دينار، أي 2,33% من القيمة الجملية.
وهذا يعني أن الشيكات بدون رصيد لم تكن تمثّل ظاهرة كبيرة والنسب المذكورة أعلاه تبقى منخفضة ومعقولة، رغم الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تعرفها البلاد منذ سنوات و تداعيات أزمة الكورونا!
و بقطع النظر عن الآثار التضخمية للشيكات مؤجلة الدفع، كان الشيك منذ عشرات السنين وسيلة دفع آنية وهي وظيفته القانونية الأساسية، ولكن مع مرور السنوات و تخلّف وسائل الدفع وصعوبة النفاذ إلى التمويل البنكي لجزء كبير من التونسيين، أصبح وسيلة ضمان [باعتبار الرّدع بالسجن] ووسيلة اقتراض و دفع بالتقسيط.
وعِوض معالجة الأسباب وراء هذا التحوّل في وظيفة الشّيك الذي فرضه الواقع والعُرف، وإيجاد حلول للإدماج البنكي والبريدي للتونسيين [نسبة الإدماج مازالت ضعيفة جدا مقارنة بالدول المتقدمة] و كذلك إيجاد حلول لمُعضلة النفاذ إلى التمويل، و عِوض خلق آليّات متطوّرة للدفع تعوّض تدريجيا الوظائف “الواقعيّة” و “العُرفيّة” للشّيك، قرّرت الدولة القطيعة الجذرية مع المنظومة السابقة وتغييرها بدون تدرّج وبدون استباق للإشكاليات الكبيرة التي ستتسبّب فيها اقتصاديا واجتماعيا، خاصة وأن التنقيح الجديد سيضرب أهم محرّك للإقتصاد حاليا، أي الإستهلاك، وكذلك سيوقف عمليّا نشاط المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي لها صعوبات للنفاذ إلى التمويل، وتعوّل أساسا على “تمويل” مزوّديها في مقابل شيكات ضمان وتقسيط، فضلا عن المشاكل الإجتماعية التي سيخلقها لدى فئة هامة من الشعب التونسي التي تدهورت قدرتها الشرائية والتي لا تقدر على تلبية حاجياتها المعيشيّة إلا بفضل تقسيط دفع شراءاتها. [في انتظار أن “يطبّع” التونسي تدريجيا مع استعمال الكمبيالات، وفي انتظار توفير وسائل أخرى ناجعة للتقسيط]
حسب رأيي، كان على المشرّع أن يقوم ببعض التعديلات على القانون القديم تقطع مع سلبياته إلى أن يتم إصلاح كلّي لكل منظومة الدفع و معالجة أسباب المرض عِوض معالجة مظاهره كما نفعل دائما.
أنا مع التفرقة بين المتحيّلين [مكانهم السجن، بعد محاولة تنفيذ على ممتلكاتهم إن وُجدت لخلاص دائنيه] و بين الذين يتورّطون في إصدار شيكات بدون رصيد بحسن نيّة ولأسباب متعلّقة بمخاطر التجارة وبالمعاملات الإقتصادية والمالية [هل من المعقول سجن مقاول يتعامل مع الدولة لأنها لم تلتزم بتعهداتها المالية تجاهه و تسببت له في إصدار شيكات بدون رصيد؟]
وأنا كذلك مع التخفيض في مدة عقوبة السجن وعدم ضمّ العقوبات [من غير المعقول عقوبة لكلّ شيك بدون رصيد]
وهنا من المهم منح القاضي سلطة تقديرية و فترة زمنية للدائن والمدين لإبرام اتفاق لخلاص المبالغ المتخلّدة. [السجن هنا لا يحلّ المشكلة، بل يعمّقها للطرفين]
خلاصة الأمر هو أن كلّ قانون مُسقط لا تسبقه دراسة تداعيات وحوار عميق بين مختلف الفاعلين السياسيين والإقتصاديين والإجتماعيين، ونقاش مجتمعي عام، لا يمكن أن تكون نتيجته إلاّ الإرتباك والفشل والآثار السلبية العكسية.