تعرض المعهد الايطالي لدراسة السياسة الخارجية الذي يعد أقدم معهد دراسات ايطالي في مجال السياسة الخارجية الى راهن العلاقات الايرانية التونسية والجزائرية وكذلك مستقبلها على المديين المتوسط والبعيد .
ويعكس تجدد انخراط طهران مع الجزائر وتونس جهودها لمواجهة العزلة الدولية وتوسيع نفوذها غربًا إلى ما وراء الشرق الأوسط. بعد أحداث 7 أكتوبر، ضعفت مكانة إيران الإقليمية بسبب الانتكاسات في غزة ولبنان وسوريا. وفي هذا السياق، قد يوفر المغرب العربي فرصة لإعادة المعايرة الدبلوماسية، مما يسمح للجمهورية الإسلامية بتنويع تحالفاتها وإعادة بناء موقفها الاستراتيجي في مشهد جيوسياسي متطور.
وعلى الجبهة الدبلوماسية، تستفيد إيران من سياسة عدم الانحياز التي تنتهجها الجزائر منذ فترة طويلة، ومن النهج العملي الذي تتبعه تونس في العلاقات الخارجية. وتمكّن هذه المواقف طهران من الانخراط دون الضغط على شركائها ودفعهم إلى تحالفات مثيرة للانقسام.
ومن الناحية الاقتصادية، تسعى إيران إلى تجاوز العقوبات والوصول إلى أسواق جديدة. توفر الجزائر، بمواردها الهائلة من الطاقة، فرصا للتعاون الاقتصادي. خلال زيارة رئيسي إلى الجزائر العاصمة في مارس 2024، تم التوقيع على اتفاقيات في قطاعات الغاز والطاقة والتكنولوجيا لتعزيز التجارة والاستثمارات. وتمتد هذه الطموحات إلى ما هو أبعد من النفط والغاز، حيث أظهرت التجارة غير النفطية نموًا واعدًا منذ عام 2023. وبالمثل، التزمت تونس بتنشيط علاقاتها الاقتصادية مع إيران، حيث استكشفت الدولتان مؤخرًا فرصًا لتوسيع العلاقات التجارية والمبادرات المشتركة.
تحمل شراكة إيران مع دول المغرب العربي أهمية متبادلة. بالنسبة للجزائر، التي تشغل حاليًا مقعدًا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، توفر شراكة طهران فرصة لتنويع التحالفات وإبراز نفسها كقوة إقليمية. كما أنها توفر ثقلًا موازنًا للنفوذ الدبلوماسي المتنامي للمغرب، لا سيما مع تعميق الرباط علاقاتها مع دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتطبيع العلاقات مع إسرائيل بموجب اتفاقيات أبراهام – وهي خطوات تعارضها الجزائر بشدة. ومن خلال التحالف مع إيران، المنتقدة الصريحة لنفوذ إسرائيل، تعزز الجزائر مواقفها المناهضة لإسرائيل والمعادية للخليج، مما يعزز مكانتها الإقليمية في أفريقيا والعالم العربي، بما يتماشى مع خطاب طهران. وهكذا، في حين أن العلاقة الجزائرية الإيرانية لا تزال رمزية ومحدودة اقتصاديا إلى حد كبير، فإنها تخدم هدف الجزائر المتمثل في موازنة نفوذ المغرب المتزايد وتعزيز دورها كلاعب رئيسي في الدبلوماسية الأفريقية.
إن التقارب الأخير بين إيران والجزائر معقد بسبب مزاعم الدعم الإيراني لجبهة البوليساريو، وهي حركة تدعو إلى استقلال الصحراء الغربية في ظل الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية – التي اعترفت بها إيران في عام 1980. وتدور هذه الادعاءات، التي دفعت المغرب إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران في عام 2018، حول اتهامات بتقديم مساعدة غير مباشرة عبر حزب الله. وفي حين أن التورط الإيراني المباشر لا يزال غير مثبت، فإن هذا التصور وحده يبعث برسالة استراتيجية إلى الرباط. وبالمثل، فإن الظروف السياسية والاقتصادية غير المستقرة في تونس في ظل قيادة الرئيس سعيد قد خلقت فرصة لعلاقات أوثق مع طهران، مما مهد الطريق لإعادة اصطفاف محتملة. بالنسبة لسعيد، يتماشى هذا التقارب مع مساره الدبلوماسي، حيث تتقاطع الأيديولوجية “المناهضة للإمبريالية” مع حاجة تونس الملحة إلى المساعدات المالية وسط الأزمة الاقتصادية. وعلى الصعيد المحلي، يضيف هذا بعدًا أيديولوجيًا لتعامل تونس مع طهران، مما يعزز صورة سعيد كزعيم يتحدى الهيمنة الغربية ويعزز روايته الأوسع لتونس باعتبارها جهة فاعلة ذات سيادة قادرة على تشكيل تحالفات متنوعة. وعلى المستوى الدولي، يسلط هذا الضوء على توجه تونس نحو نهج دبلوماسي أكثر تنوعا، على الرغم من مخاطر تنفير الحلفاء التقليديين. وحتى لو كانت قدرة إيران على تقديم مساعدات اقتصادية كبيرة محدودة، فإن إشراك طهران يعزز رمزياً موقف سعيد التفاوضي مع القوى الغربية والخليجية، التي قد تضطر إلى تقديم المزيد من الدعم لمواجهة نفوذ طهران.
وعلى الرغم من المصالح المشتركة، فإن الشكوك لا تزال قائمة حول المدى الطويل للتقارب الإيراني مع هذه الدول المغاربية. ولا تزال الانقسامات التاريخية والاختلافات الأيديولوجية والقدرة الاقتصادية المحدودة لطهران تشكل حواجز كبيرة أمام تعميق العلاقات بين إيران والجزائر. ومن الناحية الاقتصادية، تظل العلاقة بينهما رمزية إلى حد كبير، حيث أن قدرة طهران المحدودة على تقديم استثمارات كبيرة أو أحجام تجارية تحد من قدرتها على تحويل هذه الشراكة إلى تعاون اقتصادي ملموس. ومن غير المستغرب أن تظل النخب الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية في الجزائر منقسمة، حيث لا يزال الكثيرون يفضلون تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية، التي يُنظر إليها على أنها شريك أكثر نفوذاً وسعة الحيلة من إيران. وفي الوقت نفسه، تظل تونس حذرة، مما يعكس نهجها العملي في السياسة الخارجية. وتدرك تونس جيداً أن إيران لن تعالج همها الأساسي: الاقتصاد. ومن ثم، قد يُنظر إلى انفتاحها على طهران على أنه خطوة محسوبة للاستفادة من العلاقات الإيرانية المحتملة في المفاوضات مع الشركاء الغربيين والخليجيين. وقد يكون لانهيار نظام الأسد أيضاً آثار أوسع نطاقاً. وكما لاحظ شاران غريوال، زميل بارز في معهد بروكينغز، فإن “عدم قدرة إيران أو عدم رغبتها في مساعدة حليفها القوي الأسد في لحظة احتياجه الأعظم قد يضعف بعض الحماس للتحالف مع إيران”. ومع ذلك، فإن ردود الفعل الحذرة من العاصمتين تجاه الأحداث السورية تشير إلى أن المنطق الذي يدفع هذا التقارب التدريجي لا يزال سليما: محاولة تنويع التحالفات في عالم متعدد الأقطاب على نحو متزايد لتحسين مكانتهم وتعزيز العلاقات الاقتصادية.