بعد أن دعا السوريين الى عدم تكرار تجربة حركة النهضة في تونس وذلك خلال حوار مع صحيفة القدس العربي تلقى رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي الرد التالي من سمية الغنوشي ابنة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي
الدكتور منصف مرزوقي، تحدث في إحدى وسائل الإعلام العربية ناصحا السوريين، وهم في بهجة احتفالهم بثورتهم المنتصرة، بأن يسعوا لفعل عكس ما فعلته النهضة تماما”.
طبعا، تجربة النهضة لها وعليها ويمكن أن تقيّم بموضوعية، فتُنخل سلبياتها من إيجابياتها. لكن لا ينكر إلا جاحد بأن ثورة تونس عمرت لما يربو عن العشر سنين، في محيط إقليمي تحكمه الثورات المضادة وتسوده الحروب الأهلية والأزمات السياسية، بفضل حركة النهضة ورشد قيادتها السياسية التي سارت بعنت شديد ومشقة عظيمة، حاملة جمرة الثورة، في حقل ألغام داخلية وخارجية.
وبما أننا في مورد نصيحة أهلنا الأعزاء في سوريا، وهم في فاتحة ثورتهم المجيدة، أدعوهم، فعلا، ألا يكرروا خطأ النهضة في اختيار شخص للرئاسة من خارجهم، فيجلسَ على كرسي الحكم والمعارضة في آن.
وهنا يجدر بي أن أذكر بأن الدكتور المنصف المرزوقي قد نصبته النهضة في قرطاج رئيسا للجمهورية بعد انتخابات أكتوبر 2011، في إطار منهجها التوافقي والتشاركي في الحكم. تم ذلك عبر المجلس الوطني التأسيسي، الذي كانت لها فيه الأغلبية، والذي لم يحصل فيه هو إلا على 7000 صوت لا غير، لا تتيح له سوى أن يكون عضوا بسيطا في مجلس نواب الشعب، لا أكثر.
ثانيا، نصيحتي لإخوتي في الشام أن يتمسكوا بسن دستور منسجم ومتجانس واضح المعالم، إما ذي طبيعة رئاسية أو برلمانية، بدل دستور هجين، على نحو ما جرى في تونس، حيث رضخت النهضة لضغوط “الشركاء السياسيين”، وعلى رأسهم د. منصف، فوسعت صلاحيات مركز الرئاسة على حساب البرلمان والحكومة، بما صنع سلما ارتقى لاحقا عبره الباجي قايد السبسي، بعد انتزاع الصلاحيات من حكومة الثورة، ثم لانقلاب قيس سعيد على البرلمان والدستور، فيما بعد.
ثالثا، من بين أخطاء النهضة أيضا، الانصياع لابتزاز “الشركاء السياسيين”، الذين تحصنوا بموقع الرئاسة، ثم انبروا يطالبون بحكومة تكنوقراط، وما يسمونه تحييد وزارات السيادة، بحجة “تغول النهضة في الحكم” (وهي الفائزة في الانتخابات!)، نسجا على مقولة “تغول الإخوان” في مصر. وكانت هذه أكبر ثغرة تسربت منها الثورة المضادة للسلطة، وأتاحت لها التموقع فيها والتمدد، قبل الانقضاض عليها.. لتُلتهم الثورة قطعة قطعة فيما بعد.
رفع د. منصف مطلب تحييد وزارات السيادة المدمر، بعد أول اغتيال سياسي نفذته الثورة المضادة وحلفاؤها، وبدل أن تتضامن مؤسسات الثورة مع بعض في وجه العاصفة، وجدت النهضة نفسها محاصرة من جهتين: من حلفائها داخل الحكم المطالبين بتجريدها من وزارت السيادة، التي كانت تشغلها (الداخلية والخارجية والعدل)، أي فعليا الانقلاب عليها ونزعها سلطاتها التي فوضها إياها الشعب في انتخابات حرة نزيهة، وباعتصام الرحيل من الخارج، المطالب بإخراجها من الحكم كلية.
علما وأن المطالب ارتفعت بعدها بإقالة المرزوقي مع حكومة النهضة، فخيرت النهضة أن تثبّت المرزوقي مجددا في الرئاسة، وننسحب من الحكم، حقنا للدماء ودرءا للفتنة، وتتركه تكرما منها في الرئاسة! وكان يسعها أن تغادر الحكم ومعها المرزوقي، استجابة لمطلب قوى المعارضة والأطراف الراعية للحوار الوطني سنة 2013.
يحسب للنهضة ولزعيمها، الذي كان ولا يزال يقارع الاستبداد، وخبر سجون الدكتاتورية من بورقيبة إلا بن علي إلى قيس سعيد ولم يغير ولم يبدل، يحسب لها أنها رسخت قيمة الحرية خلال عشرية الثورة، بجهد شاق وتضحيات جسيمة. وعلى هذا الرصيد النضالي الفكري والسياسي تعول تونس لاستعادة ثورتها المغدور بها و إسقاط هذا الانقلاب البائس.
نصيحتي الأخيرة للد. المنصف أن يتعالى على ذاته قليلا ويترفع على المناكفات، التي لم تكن ماضيا إلا في صالح خصوم الثورة ولن تكون إلا كذلك اليوم وغدا.