في سياق اقتصادي عالمي تتزايد فيه حدة المنافسة وتشهد فيه الأسواق حالة من التشبع، تُعاني المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس من تحديات متصاعدة تعرقل قدرتها على النمو والتموقع في الأسواق الدولية.
وكشفت نتائج دراسة ميدانية حديثة، أجراها معهد “Potloc” بطلب من البنك الأوروبي للاستثمار (BEI)، أن ربع أصحاب المؤسسات التونسية يعتبرون أن المنافسة المتزايدة هي العقبة الأولى أمام نمو أعمالهم، متقدمة على معضلة نقص رأس المال التي عبّر عنها 17% من المستجوبين.
أسواق مشبعة وتحديات تنافسية دولية
أشارت الدراسة، التي شملت 150 مديرًا وصاحب مؤسسة صغيرة أو متوسطة، إلى أن 6 من كل 10 شركات تعتبر أن تشبع الأسواق الأجنبية وحدة المنافسة تمثل عائقًا حقيقيًا أمام تطوير نشاطها خارج الحدود.
ويُقصد بـالأسواق المشبعة تلك التي تتوفر فيها كميات كبيرة من نفس المنتجات أو الخدمات، مما يجعل من الصعب على الشركات الجديدة أن تجد مكانًا لها أو تحقق مبيعات مهمة، بسبب كثرة العرض وضعف الطلب الجديد. في مثل هذا السياق، تصبح القدرة التنافسية عاملًا حاسمًا للتميّز والصمود.
لمواجهة هذا الواقع، يراهن برنامج “التجارة والتنافسية” (Trade & Competitiveness) على تعزيز قدرات الشركات من خلال تكوينات تقنية واستراتيجية حول مواضيع محورية مثل قواعد المنشأ وإزالة الكربون، بهدف تحسين تموقع الشركات التونسية داخل الأسواق الأوروبية.
وفي هذا الإطار، صرّح أحد أصحاب المؤسسات المشاركة في الدراسة قائلاً: “ما نحتاجه اليوم هو أفكار جريئة، وتكوينات دقيقة، ومرافقة هيكلية لتجاوز عوائق التصدير. بهذه الطريقة فقط يمكن لمؤسساتنا أن تعزز قدرتها التنافسية وتفرض نفسها دوليًا.”
التمويل… المحرّك الغائب للانطلاق دوليًا
رغم أن 88% من المؤسسات المستجوبة تنشط في التصدير، إلا أن نصفها فقط يقوم بذلك بصفة منتظمة، فيما تبقى واحدة من كل عشر شركات غائبة كليًا عن مسالك التصدير، بسبب نقص الموارد اللازمة للاستثمار في الابتكار أو مطابقة المعايير أو تطوير الأسواق.
وأكد 48% من أصحاب المؤسسات أن صعوبة الوصول إلى التمويل تُمثل العائق الرئيسي أمام أي مسعى للتوسع دوليًا.
استجابة لذلك، يُقدم برنامج “التجارة والتنافسية”، بالتعاون مع بنوك تونسية، حلولًا عملية من خلال تسهيل النفاذ إلى خطوط تمويل مخصصة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، تتميز بتخفيف شروط الضمان وتوجيهها نحو مشاريع هيكلية، مما يُسهم في تحرير قدرات الاستثمار وتهيئة المؤسسات لخوض غمار التصدير بثقة أكبر.
عوائق لوجستية وتجارية تعرقل الاندماج العالمي
حتى بالنسبة للمؤسسات التي شرعت في التصدير، فإن التحديات لم تنتهِ بعد، حيث عبّر 62% من المستجوبين عن صعوبات تتعلق بارتفاع تكاليف الشحن والجمارك والتوافق مع المعايير الدولية، بينما أشار 44% إلى صعوبة إيجاد شركاء تجاريين بالخارج.
هذه العراقيل التقنية والتجارية تحدّ من اندماج المؤسسات التونسية ضمن سلاسل القيمة العالمية، وهو ما يُعتبر شرطًا أساسيًا لضمان نمو مستدام في مجال التصدير.
***الدراسة التي حملت عنوان “بانوراما المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس 2025” أُنجزت في ماي 2025، وشملت عينة تمثيلية وطنية من المؤسسات العاملة في قطاعات الأغذية الزراعية، وصناعة السيارات، والنسيج – وهي قطاعات مستهدفة من قبل برنامج “التجارة والتنافسية” المموّل جزئيًا من الاتحاد الأوروبي.