أكّد رئيس الجمهورية قيس سعيّد لدى استقباله اليوم، الأربعاء 23 أفريل 2025 بقصر قرطاج، وزير التجارة وتنمية الصادرات سمير عبيد على ضرورة البحث عن أسواق جديدة للتصدير في إفريقيا وآسيا وفي عديد دول أمريكا الجنوبية التي أعربت عن استعدادها لتبادل تجاري متوازن مع تونس، وفق ما جاء في بلاغ لرئاسة الجمهورية.
كما أشار البلاغ إلى تأكيد رئيس الدّولة على ضرورة ترشيد الواردات، ونقل عنه قوله بأنّ “مبالغ مالية ضخمة بالعملة الأجنبية تُرصد لتوريد سلع لا يستفيد منها إلاّ المُورّد وعدد محدود من المستهلكين”، مضيفا في هذا السياق أنّه “من المفارقات التي يجب أن يُوضع حدّ نهائي لها الحديث عن اختلال التوازن التجاري مع هذه الدّولة أو تلك، في حين أنّ ما يتمّ توريده ليس ضروريا وبالإمكان إنتاجه محلّيا أو لا حاجة لنا به على الإطلاق.”.
كما تعرّض رئيس الجمهورية مجدّدا إلى مسالك توزيع المواد الفلاحية على وجه الخصوص.
وقال الرئيس في هذا الخصوص إنّ “أغلب الفلاّحين يُكابدون ويُعانون والمستهلكون لا يقلّون عموما معاناة، وبينهم من يتحكّم في الأسعار ولا بدّ من وضع حدّ لهذه المسالك وأصحابها الذين لا همّ لهم سوى الرّبح والمضاربة والاحتكار.”
وأكّد رئيس الدّولة أنّه لا يجب تكثيف الرقابة فقط بل القيام بصفة موازية بحملات في كلّ مناطق الجمهورية وعن طريق وسائل الإعلام حتّى ينخرط الجميع مقتنعين بأنّ الشعب التونسي يُريد أن يضع تاريخا جديدا، ولا عُذر لأحد في التخلّف عن الرّكب، وفق ما ورد في نصّ البلاغ.
ويشهد الميزان التجاري التونسي خلال الأشهر الأولى من سنة 2025 تفاقما ملحوظا في العجز، حيث تضاعف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، متأثرا بشكل رئيسي بالمبادلات غير المتوازنة مع الصين وروسيا.
وأظهرت بيانات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) ارتفاع العجز التجاري لتونس خلال الشهرين الأولين من 2025 إلى ما يفوق 1.2 مليار دولار مقارنة بنحو 0.6 مليار دولار خلال العام الماضي.
وتكشف حصيلة المبادلات التجارية لتونس مع الصين عجزا يتجاوز 3 ملايين دولار تليه روسيا بما يفوق 1.6 مليون دولار، في مقابل ذلك تسجل هذه المبادلات فائضا مع بعض دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
وجاءت فرنسا في صدارة الدول التي حققت معها تونس فائضا تجاريا بنحو 1.7 مليون دولار تلتها ألمانيا بما يفوق 0.7 ميار دولار، فيما حلت الولايات المتحدة في الرتبة السادسة بفائض يناهز 700 ألف دولار.
في المقابل، أثار توجه تونس للمراهنة على الأسواق الصينية والروسية في المبادلات التجارية سجالا بشأن تداعياته على البلاد التي تشهد أوضاعا اقتصادية صعبة.
و يرى الأستاذ الجامعي في الاقتصاد زهير الحلاوي أن العجز التجاري المتزايد مع الصين، والذي تجاوز سقف 3 ملايين دولار، يؤثر سلبا على التوازنات المالية في تونس.
وقال الحلاوي في تصريح صحفي إن العجز مع الصين وروسيا بات يشكل عبئا إضافيا على الوضع الاقتصادي المتأزم في ظل هذه الأرقام المقلقة، وهو ما يبرز تساؤل جوهري؛ هل تستفيد تونس فعلا من شراكاتها التجارية مع هذين البلدين، أم أن هذه الاتفاقيات تخدم مصالح طرف واحد فقط؟
وأوضح أن الصين تمثل اليوم أحد أهم الشركاء التجاريين لتونس، لكن العلاقة تفتقد إلى التوازن، ذلك أن تونس تستورد من هذا البلد الآسيوي منتجات استهلاكية وصناعية بكميات ضخمة، في حين أن صادراتها إليها تظل محدودة للغاية.
وأشار إلى أن هذا الاختلال يؤدي إلى تزايد العجز التجاري ويضعف الصناعة المحلية التي تجد نفسها غير قادرة على منافسة المنتجات الصينية الأرخص.
وتابع، في السياق ذاته، بأن تدفق المنتجات الصينية بكثافة إلى السوق التونسية يؤثر سلبا على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث تغرق السوق بسلع منخفضة السعر، ما يضعف فرص الشركات التونسية في الصمود.
وبخصوص التبادل التجاري مع روسيا، فقد أكد الحلاوي أن العجز التجاري مع روسيا بدوره يمثل معضلة، إذ تعتمد تونس على واردات الطاقة والمواد الأولية الروسية، مما يجعلها عرضة للتقلبات في الأسعار وظروف السوق الدولية.
ومع العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، أصبح التعامل التجاري معها محفوفا بالمخاطر، مما قد ينعكس سلبا على الاقتصاد التونسي مستقبلا، وفقه.
وتبعا لذلك، دعا المتحدث الحكومة التونسية إلى مراجعة اتفاقيات التبادل التجاري مع الصين وروسيا وتعزيز الإنتاج المحلي لضمان مصلحة البلاد، فضلا عن تكثيف الجهود الدبلوماسية بهدف التنويع في الشراكات التجارية والبحث عن أسواق جديدة أكثر توازنا.
وسبق للمرصد التونسي للاقتصاد أن حذر في العام 2022 من تعمّق العجز التجاري لتونس مع الصين وتركيا وشدد على أنه يساهم في استنزاف احتياطي البلاد من العملة ويهدد، جديا، الإنتاج المحلي، داعيا إلى مراجعة الاتفاقيات التجارية معهما.
عجز هيكلي
من جانبه، أكد الخبير في الاقتصاد، هشام العجبوني، أن العجز التجاري في تونس هو عجز هيكلي وليس ظرفيا رغم توجه الحكومة التونسية خلال السنوات الأخيرة إلى التخفيض في التوريد بسبب ضعف الإمكانيات المالية للدولة.
وأوضح العجبوني أن هذا التوجه انعكس سلبا على مجال الاستثمار في تونس والذي تراجعت نسبته إلى ما دون 16 في المئة من الناتج الداخلي الخام، جراء عدم استيراد المواد الخام ونصف المصنعة والتجهيزات، وهو ما يشكل خطرا على البلاد مستقبلا.