بينما تتكثف الإشارات إلى اقتراب تدخل أميركي مباشر في الحرب بين إسرائيل و إيران، تقف طهران أمام مفترق حاسم من الخيارات العسكرية والاستراتيجية..
فهل تتخذ القرار الأصعب وتبادر بضربة استباقية؟ أم تلتزم الصبر على أمل احتواء التصعيد أو تجنّب الوقوع في فخ قد تكون واشنطن قد نصبته بعناية؟
لحظة حاسمة… وقلق مضاعف
كل المؤشرات الميدانية والتسريبات الاستخباراتية توحي بأن واشنطن تستعد للدخول، بشكل أو بآخر، في خط المواجهة إلى جانب تل أبيب. هذا التطور المفصلي يضع القيادة الإيرانية أمام سؤال بالغ الخطورة:
هل تضرب الآن أم تنتظر؟
الخبراء العسكريون يرون أن الخيارات الإيرانية تنحصر بين أمرين:
- الضربة الاستباقية لخلط الأوراق وكسر المبادرة الأميركية.
- التريّث والانضباط، في انتظار اتضاح نوايا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لطالما عُرف بتقلباته ومفاجآته السياسية.
“هندسة الردع”: إيران لا تتصرف بعشوائية
برأي خبراء في الشأن العسكري الإيراني، لا تتحرك طهران بانفعال، بل تمارس ما يُعرف بـ “هندسة الردع المتحكم فيه” (Controlled Deterrence). هذه المقاربة تقوم على التهديد المحسوب دون الانزلاق إلى حرب شاملة، وإبقاء العدو في حالة شك دائم من توقيت وشكل الرد الإيراني.
في هذا الإطار، تفضل إيران أحيانًا الصبر الاستراتيجي على المجازفة، مع الاحتفاظ بخيارات الرد المؤلم إذا ما تأكدت من ضربة أميركية أو إسرائيلية وشيكة.
اجتماع مغلق في البيت الأبيض: قرارات قد تُغيّر المعادلة
بحسب ما نقله موقع أكسيوس الإخباري، عقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعًا مغلقًا مع فريقه للأمن القومي في غرفة العمليات بالبيت الأبيض دام نحو ساعة وعشرين دقيقة يوم الثلاثاء.
الاجتماع خُصص لاتخاذ قرارات مفصلية بشأن السياسة الأميركية تجاه الحرب بين إسرائيل وإيران.
قبل الاجتماع، صرّح ثلاثة مسؤولين أميركيين بأن ترامب يفكر جديًا في الانضمام إلى الحرب وشن ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وبشكل خاص منشأة فوردو تحت الأرض لتخصيب اليورانيوم.
ووفق ذات المصادر، فإن البيت الأبيض يدعم أهداف الحرب الإسرائيلية المعلنة المتمثلة في القضاء على قدرات إيران النووية والصاروخية الباليستية، لكنه لا يدعم مهمة أوسع لإعادة تشكيل إيران بالقوة، على غرار ما حصل في العراق 2003.
هل تغامر طهران بضربة أولى؟
على الجانب الآخر، يعتقد بعض الخبراء أن إيران قد تُغريها عقيدة “الضربة أولاً”، خاصة إذا اقتنعت بأن الهجوم الأميركي واقع لا محالة. في هذه الحالة، قد تستهدف طهران قواعد أميركية في الخليج أو مراكز قيادة إسرائيلية في الشمال، على أمل تغيير قواعد الاشتباك قبل أن تتلقى الضربة.
غير أن هذه المغامرة محفوفة بالمخاطر، إذ قد تفتح الباب أمام ردّ كاسح متعدد الجبهات، وهو ما تسعى طهران لتجنّبه في هذه المرحلة.
الغموض المتعمد في سياسة ترامب
من العوامل الأكثر تعقيدًا في هذا المشهد هو الغموض الاستراتيجي الذي يمارسه دونالد ترامب. فرغم كل المؤشرات على الاستعداد العسكري، لا يوجد تأكيد قاطع على أن القرار السياسي قد اتُخذ بالتدخل المباشر. هذا الغموض يدفع إيران إلى الحذر، خشية الوقوع في فخ استفزازي يُستخدم كذريعة للهجوم.
الساحة الإقليمية: مناورة عبر الوكلاء
في كل الحالات، تمتلك إيران ما يُعرف بـ “محور المقاومة”، أي شبكة من الحلفاء والميليشيات التي يمكن أن تتحرك نيابة عنها، سواء في لبنان أو العراق أو اليمن. وهذا ما يمنح طهران هامش مناورة واسعًا، يسمح لها بإرسال رسائل نارية دون التورط مباشرة في الحرب منذ بدايتها.
المشهد الحالي شديد التقلب، والتحركات الإيرانية تبدو محسوبة بدقة، بين رسائل الردع والاستعداد للرد المؤلم. وحتى اللحظة، ما زالت طهران تزن خياراتها بعناية، في انتظار لحظة الحقيقة… تلك اللحظة التي قد تحدد مسار الحرب، أو تبقي الباب مواربًا أمام مفاوضات اللحظة الأخيرة.