Accueilالاولىالشّاهد، السّبسي والغنوشي.. واستحقاق 2019!

الشّاهد، السّبسي والغنوشي.. واستحقاق 2019!

أثارت الدعوة التي وجهها زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي مؤخرا عبر قناة نسمة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد كي يعلن رسميا أنه “غير معني بانتخابات 2019″، وأنه: “ليس معنيا إلاّ بإدارة الشأن العام في تونس خاصة الاقتصادي، وتنظيم انتخابات بلدية ثم تشريعية ورئاسية”، موجة من الانتقادات عكستها التعليقات في شبكات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام، وتجلت كذلك من خلال مواقف بعض الأحزاب السياسية والقيادات النقابية.

وتراوحت المواقف الناقدة بين الدفاع عن الحق الدستوري ليوسف الشاهد كمواطن تونسي في الترشح للانتخابات الرئاسية، وبين اتهام الغنوشي بالتواطئ مع قيادة حركة نداء تونس لاستبعاد الشاهد من موقع القرار السياسي نظرا لما بدأ يكتسبه من وزن شعبي سيجعله مرشحا جدّيا للظفر بالمنصب السيادي الأول في صورة تقدمه للانتخابات الرئاسية المقبلة.

تمكّن هادئ

تمكّن رئيس الحكومة يوسف الشاهد منذ استلامه عهدته بعد “الإطاحة” بخلفه الحبيب الصيد من لفت الأنظار إليه، نظرا لأسلوبه الهادئ في الحكم. ورغم تعثر سياسته الاقتصادية وخاصة النتائج الكارثية لتراجع الدينار، إلا أن الشاهد نجح في تحريك ملف الفساد المتعفن رغم كل التحفظات التي رافقت ذلك والشبهات التي تحوم حول عدد من أعضاء حكومته، لكن أيضا لقراراته الاجتماعية الجريئة بخصوص إطلاق إجراءات التسوية العقارية لعشرات آلاف العائلات التونسية الضعيفة التي بنت وسكنت منذ عقود عديدة فوق أراض دولية وبقيت وضعياتها معلّقة.

فبظهوره السياسي الرصين، وحربه المعلنة على الفساد بما تجده من التفاف حولها من جميع التونسيين، ونجاح القوات الأمنية والعسكرية في توجيه ضربات قاصمة للإرهاب، وقراراته الاجتماعية الحيوية التي تمس شرائح شعبية محرومة، تمكن الشاهد بهدوء من الحظوة بإعجاب عديد التونسيات والتونسيين الذين رأوا فيه أملا لإبعاد البلاد عن حافة الهاوية وإخراجها من أزمتها.

وبدأت ترشح أنباء عن قيام عدد من الوزراء بدفع رئيس الحكومة للسير في طريق الاستقلالية و”الانقلاب” على الراعيين اللذين أوصلاه للحكم تمهيدا للاستئثار به. ثم بدأت تروّج دعوات في شبكات التواصل الاجتماعي لتشكيل قائمات مواطنية مستقلة للانتخابات البلدية تسند الشاهد وتدعمه في حربه على الفاسدين، وقد تتحول إلى إطار سياسي يخضع لقيادته خلال المرحلة المقبلة. يضاف إلى ذلك نجاح زيارة الدولة التي أداها الشاهد إلى واشنطن بكل مظاهر الأبهة والهيبة التي صاحبتها، بما يجعله مرشحا لنيل دعم أمريكي واسع في صورة ظفره بمركز السيادة الأول في البلاد.

هذه العوامل وغيرها جعلت الشاهد يبدو بمظهر المرشح الأوفر حظا للفوز بالرئاسة لو ترشح لها في انتخابات 2019. خاصة وأن التجربة بيّنت حسب تأكيد استطلاعات الرأي مع رئيسي الحكومة السابقين مهدي جمعة والحبيب الصيد، بأن التونسي عموما يعطي في خياره أفضلية للماسك بدواليب الحكم.

وخلافا لانزعاج الأحزاب الكبرى من مساحات التأييد التي يكسبها الشاهد، نفهم خلفية الدعم الذي يلقاه رئيس الحكومة من المستفيدين من تقوية مركزه، وأساسا حزبا المسار والجمهوري محدوديْ التمثيلية للشاهد، وكذلك قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل التي تحفظ له إهداءها رأس الوزير ناجي جلول قربانا على مذبح يوم عيد الشغل بكل ما يحمله ذلك من رمزية.

فبإذعانه لطلبها التخلص من جلول، جعل الشاهد لقيادة الاتحاد يدا عليا على الحكم، ومكنها من توجيه رسالة حازمة لكل المسؤولين بأن كل من يتحدى إرادتها سيكون مصيره العزل. لكن يظل أكبر كسب تحقق للنقابيين المنفلتين بفضل هدية الشاهد هو التخلص من خصم حكومي عنيد كان سيدخل أولياء التلاميذ من خلال جمعياتهم في الحياة المدرسية، ويشركهم في القرار بما من شأنه أن يحد من تغول هؤلاء وعربدتهم!! ويكون الشاهد بالتالي قد أراح القيادة النقابية من عبء الدخول في مواجهة مباشرة وتدميرية مع قطاعات واسعة من الشعب الذي ضاق ذرعا بعربدة النقابات المنفلتة.

رئيس حكومة أم وزير أول؟

المتابعون المختصون لشأننا الوطني ولتجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، يجدون خللا في بنية النظام السياسي في بلادنا.

ففي الدول التي تتركز فيها السلطة التنفيذية بيد رئيس الحكومة وإن بنسب متفاوتة كبريطانيا وكندا وإيطاليا وأستراليا والهند وباكستان وحتى إسرائيل، يصل رئيس الحكومة إلى سدّة القرار التنفيذي عبر الانتخابات. فهو رئيس الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية أو على الأقل رئيس الحزب الأغلبي في الائتلاف الحاكم الحاصل على ثقة الأغلبية من نواب البرلمان. لذلك لا مجال للقدح في شرعيته ولا يمكن الإطاحة به إلا إذا فقد أغلبيته البرلمانية، ويمكنه العودة للحكم مجددا إذا ما فاز في الانتخابات اللاحقة.

لكن وضع يوسف الشاهد في تونس مختلف، حتى وإن حمل صفة رئيس الحكومة بكل ما تخوّله من صلاحيات دستورية. فالرجل ليس بزعيم الحزب الفائز في الانتخابات ولا هو رئيس الائتلاف الحاكم، وليست له أي شرعية شعبية من خلال برنامج انتخابي زكاه من أجله الشعب. فأصحاب الشرعية الشعبية المفوضون هم أساسا الرئيس الباجي قائد السبسي في شخصه من خلال انتخابه رئيسا للجمهورية، لكن أيضا من خلال نواب حركة نداء تونس في البرلمان الذين لم ينتخبهم عموم الناس لذواتهم ولكن انتخبوا فيهم “نخلة البجبوج”!! إضافة إلى حركة النهضة التي شكلت ثاني أكبر كتلة بالبرلمان إثر الانتخابات الأخيرة بعيدا عمّن يليها، قبل أن تصبح الكتلة الأولى نتيجة الانشقاقات في حركة نداء تونس.

ومن هذا المنطلق لا يستمد يوسف الشاهد وجوده على رأس الحكومة من تفويض شعبي ناله بمقتضى شرعية انتخابية، ولكن من تعيينه في منصبه بتكليف من صاحبي الشرعية والتفويض الشعبي وهما الرئيس الباجي قائد السبسي وحركة النهضة وبغطاء من اتفاق قرطاج. وهو ما يجعله في وضع الوزير الأول والموظف الحكومي السامي المستأمن على رئاسة الحكومة من قبل مشغليه، وليس رئيس الحكومة صاحب القرار والشرعية المستحقة!!

لذا فيوسف الشاهد في وضعه الحالي ليس أكثر من وكيل أعمال انتدبه أصحاب العمل لخدمة برنامجهم، ومن الطبيعي أن يخرجوا في وجهه الورقة التحذيرية الصفراء إذا ما شكّوا بأنه أصبح يخدم موقعه الشخصي من خلال مركزه في الحكم، وليس مصالحهم هم. فهو بالنسبة لهم بمثابة “قاطع التيار”، إن نجح في مهمته التي تهربوا من تحمل مسؤوليتها سيحسب النجاح لهم، وإن فشل لا قدّر الله سيحمّل وحده مسؤولية الفشل!!

ولن تزيد حملات المساندة له وآخر إبداعاتها عرائض مناشدة يتم ترويجها الآن على شاكلة تلك العرائض البغيضة التي كان المنافقون يناشدون بها الرئيس الأسبق بن علي، سوى من تعميق عزلة الرجل داخل منظومة الحكم وتسريع رحيله!!

وكانت الرسالة التي وجهها رئيس الدولة من خلال توسيم رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد وقوله له بالمناسبة أن الدولة وفيّة لمن يكون وفيّا لها، واضحة وموجهة بشكل مباشر ليوسف الشاهد..

فحق يوسف الشاهد الدستوري في الترشح لأي منصب انتخابي ثابت لا يمكن أن ينازعه فيه أحد، لكن خارج إطار الوكالة الممنوحة له من صاحبي الشرعية الحالية الباجي والنهضة. حيث لا يمكنه أن يكون منتدبا منهما لخدمة برنامجهما ومنافسا لهما في نفس الوقت بما فوّضاه من سلطتهما!! لكن ستكون له بكل تأكيد حظوظ جدية لو قرر خوض التحدي والترشح مستندا إلى أنصاره وليس إلى موقعه كرئيس للحكومة.

وكما هو من حق الشاهد دستوريا الترشح للانتخابات الرئاسية في 2019، ينسحب هذا الحق أيضا على كل شخص تتوفر فيه الشروط القانونية بما في ذلك زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي. وإذا كان مستشار الغنوشي لطفي زيتون قد رأى في ربطة العنق المثيرة للجدل لهذا الأخير خطوة نحو الدولة، علينا أن لا ننسى بأن مؤتمر حركة النهضة قد فوضه دون منازع ليكون مرشحها في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وبحساب موازين القوى الفعلية وبعيدا عن التمنيات والأوهام والشعارات الجوفاء، سيكون زعيم حركة النهضة في طريق مفتوح للفوز بالرئاسة أيّا كان اسم المنافس الذي سيواجهه.. إلا إذا قرر الرئيس الباجي قائد السبسي تجديد ترشحه، فعندها فقط ستتغير شروط المعادلة!! حينها قد يعدّل زعيم حركة النهضة من طموحه المستتر ليقبل برئاسة البرلمان ويدخل للدولة من بوابتها، على أن تؤول رئاسة الحكومة لشخصية وازنة قريبة من النداء وذات خبرة وكفاءة مشهود بهما في تسيير دواليب الدولة من طراز السيد منذر الزنايدي؟

… زياد الهاني رئيس تحرير بجريدة الصحافة اليوم

 

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة