Accueilالاولىمؤشرات جدية لرحيل الشاهد

مؤشرات جدية لرحيل الشاهد

بَدَا أنّ الأطراف الموقّعة على وثيقة قرطاج حَسَمَتْ أمرها في علاقةٍ بحكومة يوسف الشّاهد وذلك باتّجاه إنهاء العلاقة وسَحْبِ الدَّعْمِ السّياسي عنها، وهو قرارٌ ـ فيما يبدو ـ حاز رضى واستحسان أهمّ الأطراف السياسية والحزبية والجمعياتية الممضية على وثيقة قرطاج الأولى والتي جاءت بحكومة الشاهد.

ولا يبدو أنّ الحملة الاتّصالية الخاطفة أتَتْ أُكْلَها ومكّنت مِنْ خَلْقِ رَأْيِ عامٍ مساندٍ لاستمرار الشّاهد في قيادة دفّة الحُكْمِ في تونس وذلك لسببين إثنين على الأقل اقترنا بوجود «خطيئة» ومزدوجة.

أوّل هذه الأسباب أنّ هذه «الحرب الاتصاليّة الخاطفة» أخطأت هَدَفَهَا، إذ استهدفت الرّأي العام الواسع في محاولة لِخَلْقِ حالة ضغطٍ على الأحزاب الكبرى وكلّ الجهات والأطراف الموقعّة على وثيقة قرطاج،

هي اذن سياسة اتّصالية القصدُ منها محاصرةُ «الخاصّة» بـ «العامّة» غير أنّ هذه السياسة حَمَلت معها بوادر فشلها، وهذا ثاني الأسباب، فحكومة يوسف الشّاهد لَمْ تقدّم أيّ شيء ملموس لعموم المواطنين الذين تدهورت مقدراتهم الشرائيّة واسْتَمَرَّ مع حكومته تهاوي المنظومة الاقتصادية والصحيّة وحتّى التعليميّة وهو ما عمّق الهوّة بين المواطن والحاكم عموما،

وبالتالي فإنّ كلّ محاولات التّعبئة الشعبية لفائدة الحكومة بَاءَتْ بالفشل، وهو ما أربك في العُمْقِ العمل الحكومي وأَثَّرَ سَلْبًا على أداء الفريق ودخل البعض مِنه في فوضى اتصالية بلغت في بعض الأحيان مرحلة الهستيريا.

وحالة الارباك والارتباك التّي اقْتَرَنَتْ بسلوكياتٍ هَاوِيَةٍ في عملية تسيير الشأن العام ودواليب الدولة أَفْقَدَت سياسات الحكومة معناها وجدواها وبَدَتْ كأنّها عملية هروبٍ الى الأمام أَوْصَلَهَا في بعض الأحيان والحالات الى ممارسة سياسة الأرض المحروقة وهو ما زَادَ الطّين بلّة وانعكس بمزيد السلبية على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها.

أمّا الخطيئة المزدوجة التّي ارتكبها يوسف الشاهد في المجالين السياسي والاتصالي فقد تعلّقت أساسا بمحاولاته التأثير على الوضع الداخلي بالضغوطات الخارجية وتحديدا عن طريق سفراء دُوَلٍ ومنظمات وهو بذلك لايبدو أنّه فَهِمَ طبيعة التونسي الذي لَفَظَ ويَلْفُظُ كلّ السّاسة الذين ربطوا مصيرهم ببلدان أخرى كَبُرتْ أم صَغُرت هذه الدول،

وأمّا الخطيئة الأكبر في تقديرنا فهي اعتقاده الخاطئ بأنّ الطّموح الجارف يمكن أن يعوّض المعرفة والخبرة، وهو اعتقاد دفعه الى الاحتماء بطيف مِنَ المندفعين الذين هُمْ في عَجَلَةٍ مِنّْ أمْرِهم، مهاراتهم في تسيير شؤون الدولة والحُكْمِ ضعيفة او هي منعدمة، أطفال أنابيب في السّياسة، تربّى لديهم و«فْجأَةً»، نَهَمٌ غريب للسّلطة، لا يفرّقون بين الذكاء والغباء وبين الخُبْثِ والدّهاء وتصوّروا أنّ اندفاع الشباب أَبْقَى وأنفع لَهُمْ وأجدى من حِكْمَة ودهاء مَنْ هو مُنْغمِسٌ في ممارسة الحُكْمِ في مستوياته العليا منذ أزْيَدَ من ستين عاما..

وعندما تقترن هذه الخطيئة الأكبر مع وَهْمِ أنّ الجماعة تُناورُ أو هي تمتلك القدرة على مُلَاعََبَة حركة «النهضة» وضمان دعمها او كذلك هي قادرة على الالتفاف على مَنْ أَحْدَثَ التوازن في مشهد حزبي وسياسي اختلت موازينه وهو قام بذلك كقائد اركسترا على غاية مِنَ الانسجام رغم أنّ فِرقته لم تَقُمْ بأيّ بروفات..

كلّ ذلك دلّلَ ويدلّل على أنّ حكومة يوسف الشّاهد أشرفت على نهايتها..

سببان إذن وخطيئة مزدوجة الواحدة أكبر من الأخرى وأوهام سكنت الرؤوس وتهيّؤات أخطرها اعتقاد في غير محلّه بأنّ «حكومة الوحدة الوطنية» او حكومة الشاهد تتمتّع بشرعيّة انتخابية وبتفويض مِنْ مجلس الشعب..

واذ من المهمّ التأكيد على ان الناحية الشكلية القانونية هي كذلك فانّ الأساس يبقى ان شرعية حكومة الشاهد تُستمدّ أساسا مِنْ وثيقة «قرطاج الاولى» وبالتالي فانّه لن يستطيع ان يَحْكُم بَمعْزَلٍ عن الاطراف الموقّعة على الوثيقة..

وهو أمر لا يبدو أنّ جماعة القصبة استوعبته.. ورغم أنّ هذا الأمر قد يكون غير سويّ في مجتمع اكتمل بناؤه الديمقراطي والمؤسساتي إلا أن وضع تونس هو انتقالي بكلّ المقاييس وهذه أيضا حقيقة قد تكون غابت عَنْ جماعة الشاهد ومَنْ يقف خلفها.

ومع كلّ ذلك، كان بالامكان أن يتمّ القبول بذلك اذا تعلّقت هِمّة الحكومة بالملفّات الحارقة التي مِنْ أجلها جاءت ولكنّها آثرت ان تشتغل بالعمل السياسي واقرّت عزمها على ملاحقة الاستحقاقات الانتخابية وأهملت الملفّات الحارقة للوطن والمواطن، وهو ما جعلها تفقد تدريجيا كلّ حزامها السياسي والجمعياتي الدّاعم لها.

وهو ما حدا برئيس الجمهورية إلى دعوة أطراف «وثيقة قرطاج» الى الاجتماع للتقييم واقتراح الحلول…

اليوم أو غدا تُحسم الامور ويتمّ الاتفاق على نصّ «وثيقة قرطاج 2» وكلّ المؤشرات التي عرضناها أعلاه تفيد أن حكومة الشاهد انتهى دورها وأنّ نص الوثيقة الجديدة سيعبّر عن ذلك بكلّ وضوح وذلك في محاولة لربح الوقت وعدم اهدار الطاقات في نزاعات وصراعات لا معنى لها..

وقد يكون من الغباء تقديم هذه التطورات على أنها رضوخ منْ رئيس الجمهورية لاتحاد الشغل ولمطالب المنظمة باقالة الشاهد… فكل هذه المناورات لن تغير من واقع أن الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج قيّمت وقدّرت أن وقت التغيير قد حان وأن المطلوب العاجل حكومة بكفاءات سياسية أو حزبية أو غيرها تنكب على ملفات الوطن والمواطن وتكمل ما تبقى من العهدة الانتخابية بمنآى تام عن تجاذبات الاستحقاقات الانتخابية القادمة، حكومة تُعيد الثقة بين المواطن والنخب الحاكمة، حكومة تنفذ برنامج حُكم يُحاسبُ منْ حَكم على أساسِه..

بقي شيء واحد على الرئيس حَسْمُهُ وبصفة نهائية، التونسي سيدي الرئيس لديه انتظار واحد، رؤية واضحة للمستقبل.. وسياسة نبني على أساسها وحُلْم قابل للتحقيق..

*** الصحافة اليوم

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة