Accueilالاولىالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد : للديكور فقط

الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد : للديكور فقط

يواصل يوم غد الاربعاء مجلس نواب الشعب النظر في مشروع قانون أساسي عدد 38-2017  المتعلق  بهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد

وسط حيرة العديد من المهتمين بقضايا الفساد والحوكمة الرشيدة  وخاصة اعضاء الهيئة  الذين خاب املهم  في الفصول التي عدلها عدد من المشرعين والتي تفرغ الهيئة من محتواها  ويضعها في خانة الهيئات الديكور

فصلاحياتها محدودة واطارها التشريعي هش  اما استقلاليتها عن الهيئات السلط الثلاث فهي غامضة وفتوحة على كل الاجتهادات

فالميزانية في يد الحكومة وتحركاتها وأعمالها تحت اشراف القضاء ومجلس نواب الشعب

ويبدو جليا ان الارادة السياسية القوية التي انطلقت مع اعلان الحكومة الحرب على الفساد بدأت تخبو مع مرور الايام لنكتشف ان تطلع يوسف الشاهد بتحويل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد  الى هيئة شبيهة  بالهيئة الايطالية التي بعثت لضرب المافيا هو مجرد كلام ليس الا وتشبيه ليس في محله فالهيئة الايطالية المكلفة بمحاربة الفساد  تقتطع ميزانيتها سنويا من الصفقات العمومية بنسبة 2 بالمئة   فعلى سبيل المثال بلغت ميزانيتها السنة الماضية نحو 400 مليون يورو أي اكثر من مليار دينار تونسي

والأكثر من هذا كله فالهيئة الايطالية وضعت تحت امرتها فرقة امنية مسلحة   ولكن مقابل ذلك نجد ان الهيئة التونسية تجاهد من اجل خلاص مرتبات العاملين فيها ونصف ميزانيتها يتحول الى تاجير  مكاتبها

وفي جوان الماضي طالب رئيسها  شوقي الطبيب، خلال جلسة  بمجلس نواب الشعب، بضرورة توفير الإستقلالية المالية للهيئة وتمكينها من مناقشة ميزانيتها مباشرة مع مجلس النواب داعيا الحكومة الى تفعيل تعهداتها في هذا المجال.

وأوضح الطبيب، خلال جلسة استماع عقدتها لجنة المالية بخصوص مشروع القانون الأساسي لميزانية 2018 والموارد المرصودة للهيئة، “أنه من غير المقبول عدم منح الهيئة، على غرار كل السلط المعنية بمكافحة الفساد وهيئات الرقابة (القطب القضائي والمالي..)، الحد الأدنى من الدعم المادي للقيام بمهامها”

وقال “ان عدم تمكين الهيئة من ميزانية مستقلة عن رئاسة الحكومة يعكس بصفة واضحة وصريحة غياب إرادة سياسية لمكافحة الفساد في تونس” مضيفا أن هذه الممارسات بإمكانها ان تحد من فاعلية مهام الهيئة خاصة ان مؤسسات ومصالح السلطة التنفيذية تخضع لتحقيقات الهيئة.

واوضح أن الهيئة لم تتمكن منذ إحداثها في نوفمبر 2011، من تحقيق استقلاليتها، التي يكفلها لها القانون، مشيرا الى ان ميزانيتها، التي لا تتجاوز 2 مليون دينار، ضعيفة ولاتمكنها من التقصي ودعم المجتمع المدني وإرساء مركز دراسات وبحوث. وأكد أن كل موارد المجتمع المدني الناشط في مكافحة الفساد، تقريبا، متأتية من الخارج.

ومتاعب الهيئة لا تقف عند هذا الحد اذ يشتكي المشرفون عليها من تزايد اعداد ضحايا المبلغين على الفساد كل يوم مما يجعل احد اركان مصادرها من موظفين واطارات عليا ومتوسطة مهدد بالسقوط  في ظل غياب اية حماية حقيقية لهم  فالشاهدات الموثقة وغير الموثقة تؤكد ان مصائر المبلغين عن الفساد تبقى عرضة للتشفي والانتقام في ضل تردد الحكومة في ابعاد هؤلاء الذين تعلقت بهم شبوهات فساد في مواقعهم .

فقد سجلت الهيئة العديد من الشهادات لضحايا التبليغ عن الفساد  فالسيد عادل الزواوي كان واحدا من بين هؤلاء الضحايا فبعد ان بلّغ الهيئة عن فساد فاضح في وزارة التربية كان مآله الاحالة على مجلس التأديب في انتظار عقوبة الإيقاف عن العمل في حين تم تعيين من بُلّغ عنه في منصب رفيع في الدولة.

اما مصير السيد عصام الدردوري فإن الثمن الذي يدفعه الان غاليا فبعد ان بلّغ عن فساد موثق في قطاعات قضائية وأمنية حساسة تتعلق بالامن القومي كان مصيره السجن

السيد مهدي، كفاءة عالمية في مجاله، اعترض وبلّغ عن اهدار المال العام في بوكالة حماية البيئة فكان جزاؤه إيقاف عن العمل لمدة شهر ثم نقلة تعسفية الى مكتب هو أشبه بالاسطبل أما السيدة ثريا الميلادي فبعد أن بلغت عن سرقات بالمليارات في الصيدلية المركزية للبلاد التونسية كوفئت بسحب وظيفتها وسيارتها وملفاتها وأحيلت إلى مصلحة وهمية تبعتها هرسلة ادارية وقضائية متواصلة منذ سنوات. اطار سام رفض الكشف عن هويته أبلغ عن قضية فساد اخلاقي ومالي بجامعة سوسة أصبح موقوفا عن العمل ومحل تتبعات قضائية.

و منذ نهاية الشهر الماضي  يتعرض عدد من اطارات الشركة التونسية للتأمين الخارجي كوتيناس الى شتى انواع الهرسلة من قبل الادارة العامة التي لم تستسغ تحركاتهم بسبب ما اعتبروه سوء تصرف ادى الى خسائر لهذه المؤسسة العمومية تقدر بنحو 6.7 مليون دولار .

ورغم تحرك عدد من النواب بمجلس نواب الشعب وتوجيه سؤال كتابي الى وزير المالية بالنيابة الفاضل عبدالكافي حول مال التحقيق الذي اذنت بفتحه وزيرة المالية السابقة قبل ابعادها عن الوزارة الا ان وزير المالية لم ير موجبا الى حد هذا اليوم في الرد على السؤال الذي يتعلق بأموال دافعي الضرائب في تونس في وقت تخوض فيه الحكومة التي ينتمي اليها حربا مفتوحة على الفساد وسوء التصرف

وكانت الجامعة العامة للبنوك والمالية أصدرت في  جوان الماضي بيانا نددت من خلاله باحالة الكاتب العام المساعد للنقابة الأساسية بمؤسسة كوتيناس على مجلس التأديب   وقد اعتبرت جامعة البنوك والمالية هذا القرار تعسفي ولا يستند الى اي مسوغ قانوني بل جاء لضرب العمل النقابي في مؤسسة تعيش حالة من الغليان الاجتماعي  خاصة وأن الملف كان مفبركا ولا يمكن الحسم فيه الى عبر القضاء

وتعيش المؤسسة منذ شهرين حالة من التوتر الاجتماعي خاصة بعد ان اذنت وزيرة المالية السابقة لمياء الزريبي   أفريل الماضي بفتح تحقيق حول  امكانية  وجود شبوهات فساد  أو سوء تصرف خلفت خسائر ضخمة لهذه المؤسسة  وقد  انتهت الشهر الماضي عملية التدقيق من قبل اعوان من وزارة المالية  ولا يعرف الى حد الان الاستنتاجات  التي انتهوا اليها في ظل مخاوف من وأد هذا الملف مع وصول فاضل عبد الكافي الى وزارة المالية

ويتعلق الامر بإكتتاب شركة “كوتيناس” لعقد تأمين ضخم القيمة يصل الى حوالي  6,7 مليون دولار أمريكي مع مؤسسة خاصة دون القيام بإجراءات التثبّت اللاّزمة ممّا إنجرّ عنه خسائر ضخمة للشركة المؤمنة “كوتيناس”(cotunace).

و سعى محققو وزارة المالية لمعرفة ما اذا كانت   الرئيسة المديرة العامة “لكوتيناس”  قد التجأت عن قصد إلى التّلاعب بالقوائم المالية للشركة ومغالطة أعضاء مجلس إدارتها بتواطؤ من الهيئة العامة للتأمين،وهو  الهيكل الرّقابي الوحيد على نشاط مؤسسات التأمين.

 

ومثل هذه الأمثلة وغيرها هي رسائل واضحة من كبار الحيتان في مؤسسات الدولة تدفع بقية المترددين الى اعتماد قانون الصمت الذي كان ناموسا بارزا لدى المافيا الصقلية التي تطلق عليه تسمية « اومرتا » مما يجعل محاربة الفساد في تونس شبيهة بمن يحاول ان يواجه سرطانا خبيثا وهو ما دفع برئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب لاطلاق صيحة فزع وهو يكشف عن حالات التنكيل التي لحقت مبلغين عن الفساد من خلال احالتهم على مجلس التأديب ورفع قضايا ضدهم.

 

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة