Accueilالاولىدراسة - كيف نحتوي "العائدون "من بؤر الارهاب

دراسة – كيف نحتوي “العائدون “من بؤر الارهاب

هناك مدارس متعددة في كيفية احتواء التطرف والقضاء عليه، وكانت مصر هي الدولة الرائدة، التي ركزت جل خبراتها في التعامل مع التنظيمات الإرهابية، واستطاعت بنجاح أن تنتصر في كل مرة.
الرؤية الحقيقية لمراجعات قيادات الجماعات الإسلاموية تكمن في أن هذه الجماعات تتمحور حول الأيديولوجيا، ولابد أن تم تدمير أيديولوجيتها العنيفة، وأنها ولو انقلب بعض قياداتها وأفرادها على ذلك، فإنه لن يؤثر كثيرًا، وهذا معناه انه لا خطورة لانتشارهم، أو لخططهم، طالما أنه لا أيديولوجية لهم، كما أن الإخوان تتمحور حول التنظيم وليس الأيديولوجيا، وقد تفتت التنظيم خلال الثلاثة أعوام الماضية، حتى انقسم بشكل فعلي، حول الإستراتيجية، وحول الأحق بالقيادة، وأنه لو عادت الإخوان بهذا الشكل، فإنها لن تمثل أي خطورة مطلقاً على الأقل خلال العشرة أعوام المقبلة.
أما الجماعات المقاتلة المسلحة، فإنها تتمحور حول أيديولوجيا وتنظيم، وهؤلاء هم الأخطر، ولا حل معهم سوى المواجهة حتى النهاية.
في تلك النظرية، أنه يمكن الاستفادة، من هذه الجماعة في تفتيت الأخرى، ومن أقوال مشايخ تنظيم فى مواجهة تنظيم آخر، وأنه لا بد من وجود جماعات تعمل كبؤر جاذبة، طالما انحسر دور الدعاة الجدد، والمستقلين، فى الآونة الأخيرة.
بالنسبة للعائدين من أماكن النزاعات والتوتر، فهناك نماذج :
1-“أرهوس” في الدانمارك، كان أحد تلك النماذج الذي يقوم على مشاركة أجهزة أمنية مع المجتمعات المحلية، في دمج المتطرفين من خلال توفير فرص استكمال الدراسة، والعمل، وتيسيرات معيشية ومهنية، ومزايا اجتماعية، بهدف دفعهم لنبذ التطرف والعنف.
2-أما في ألمانيا فقامت الحكومة هناك بما يسمى “برنامج حياة”، وهو الذي يقوم على التكامل بين التأهيل العقائدي والفكري والنفسي بالتوازي مع التأهيل الوظيفي والمجتمعي، لدمج المتطرفين في الحياة العامة، ومعالجة شعورهم بالاغتراب المجتمعي.
وفق ما أكده تشارلز ليستر، في دراسته (المقاتلون الأجانب العائدون: تجريمهم أم إعادة دمجهم؟)، فإن مقاربة الدانمارك تركز على التكامل والشمول، من خلال الجمع بين مقاربة الحرب والعدالة الجنائية والاحتواء، ففي الوقت الذي تقوم فيه باعتقال ومحاكمة المقاتلين العائدين الذين تثبت مشاركتهم في الإرهاب، إلا أنها تعمل على تأمين فرص العمل والسكن والتعليم والإرشاد.
يلخص ألان آرسليف، وهو المسئول عن دور الشرطة في برنامج معالجة التطرف في آرهوس، داخل الدراسة، طبيعة البرنامج التكاملية بين المؤسسات الحكومة والمجتمع المدني، ويعترف بصعوبة المهمة والخيارات، فهو يقول: “من السهل تمرير قوانين صارمة، ولكن الصعب هو التعامل بحق ولوقت طويل مع أولئك الأفراد، وهي عملية تحتاج مجموعات من الخبراء، والمستشارين النفسيين، والرعاية الصحية.
لقد أصبح نموذج آرهوس نقطة نقاش محورية وأساسية في التعامل مع النزوع نحو التطرف والإرهاب وعمليات إعادة التوجيه والدمج، إذ يقدم النموذج إجابة على سؤال “كيف نمنعهم من الذهاب إلى مناطق النزاع وحمل السلاح والتدرب عليه، ثم العودة إلى مجتمعاتهم.
في ألمانيا، ظهر مشروع مبتكر آخر يعرف باسم مشروع “حياة”، وينفذ بالشراكة مع المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين منذ يناير2012، لعمل تقييم فردي للمقاتلين الأجانب العائدين، وعندما يكون ذلك ممكناً، يتم إعادة الدمج وتوجيههم من خلال عملية الإرشاد.
يرتكز النموذج الألماني على الجانب العقائدي؛ ويستند إلى نزع الشرعية الفكرية، والجانب العملي؛ ويقوم على مساعدة المقاتلين في العثور على عمل، والجانب العاطفي؛ ويعتمد على معالجة الاحتياجات العاطفية، وقد تمت معالجة حوالي 130 حالة بنجاح.
3- في أكتوبر 2013 تبنت فرنسا برنامجاً لمكافحة التطرف، يقوم على إطلاق حملات توعية لتشجيع الآباء على تغيير معتقدات أبنائهم، ومنع المواقع الراديكالية التي تقوم ببث المعتقدات التكفيرية واستقطاب الشباب للقتال في سوريا والعراق.
هناك نماذج عربية في الاحتواء، ونزع التطرف العنيف وبسبب خطورة التطرف المزدوجة في العالم العربي.4
– فقد قامت المملكة العربية السعودية بما يسمى برنامج المناصحة، الذي يقوم على خلق حواضن اجتماعية جديدة تحتضن المتطرقين لتخرجهم أعضاء جدداً، بعد أن أثبتت المقاربات الأمنية فشلها.
5-المغرب قامت بما يسمى سياسة الدمج وهيكلة الحقل الديني: تعد المقاربة المغربية أحد النماذج الإرشادية في نزع التطرف على المدى البعيد من خلال توفير بيئة سياسية تقوم على شمولية إدماج الاعتدال وهيكلة الحقل الديني، وربطه بالملك.
النموذج السعودي، كان يقوم على ما يسمى المناصحة، والقيام بعمل برامج لدمج العضو عقب الإفراج عنه.
وأطلقت السعودية عدة مشاريع، منها ما يسمى “حملة السكينة” والتي انطلقت كحملة شعبية من مجموعة مهتمين بمواجهة الإرهابيين والرد على شبهاتهم فلما آتت نتائج إيجابية استمرت الحملة وتوسعت وتعددت مهماتها.
وهذه الفكرة الإبداعية رغم نجاحها في إنشاء أكبر منصة لصناعة بيئة لمحاربة الإرهاب وتعزيز الوسطية لكنها لم تنجح في توسيع تغطيتها بشكل كبير فتأثيرها كان محدوداً.
وقد عملت السعودية على تدشين مشروع آخر لمتابعة برنامج حماية الأمن الفكري، يحمل مشروع اسم “البصيرة” في 28 سبتمبر 2014، بهدف الرد على الأفكار المشوهة التي تعتمد عليها التنظيمات المتطرفة في شرعنة أعمال العنف والتطرف من خلال رصد الوثائق والمواقع الإلكترونية وكتب المنظرين لفكر الجماعات المتطرفة، ونشر أطروحات عقيدية مضادة
من المؤكد أن تجربة مصر في “وقف العنف” عام 1997، كانت هي الأسبق من المناصحة، حيث عملت على تفكيك كل المجموعات الإرهابية المسلحة فترة التسعينات، ونجحت إلى حد كبير في ذلك.
أولت مصر عقب الثورة دوراً كبيراً لمؤسسة الأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية في المواجهة الفكرية في أكثر من اتجاه، ومن أهمها:
1- المرصد الفكري: حيث تم تدشين مرصد الأزهر باللغة الأجنبية، الذي تمكن من الكشف عن أسباب انضمام أفراد للحركات المتطرفة، ورصد ما يبثه تنظيم “داعش”، من رسائل وأفكار موجهة إلى الشباب، والرد عليها باللغة نفسها التي نشرت بها،
2- قوافل السلام: وهي تطوف حول العالم لنشر ثقافة السلام وتصحيح المفاهيم المغلوطة، ودعوة النخب العربية والإسلامية كل في مجال تخصصه لتجفيف منابع الفكر.
3- المؤتمرات العالمية: ومن أبرزها مؤتمر الأزهر العالمي.
4- المبادرات العالمية: حيث قامت دار الإفتاء بقرابة 10 مبادرات عالمية.
5- منتديات ومراكز الوسطية: طرحت دول عربية أخرى نماذج مغايرة تعتمد على تعزيز التيار الوسطي في مواجهة التطرف، حيث تأسس المنتدى العالمي للوسطية.
أما بالنسبة للعائدين وكيفية دمجهم، فمن المؤكد أننا سندخل إلى هذه المرحلة قريباً، بل إننا دخلناها بالفعل، وهؤلاء العائدون ينقسمون إلى:
1- العائد وقد ترك التنظيم والفكر
2- العائد وقد ترك التنظيم ولم يترك الفكر
3- العائد ولم يترك التنظيم والفكر
الصنوف الثلاثة تحتاج إلى فرز، قبل أن نبدأ معها في برنامج الاحتواء، وهذا الفرز لا يتم في الأغلب إلا عن طريق الأجهزة الأمنية.
يتم الفرز عن طريق: التحقيق مع العناصر العائدة، ووضعهم أمام اختبارات متعددة، ومراقبة أوضاعهم داخل أماكن الاحتجاز، وتصنيف العائدين إلى مجموعة من الفئات، أ، ب، ج، حسب درجات الخطورة، والفعالية، والتأثير، وعرض إقرارات البراءة والتوبة عليهم، لكشف تصنيفاتهم، ثم إعادة تصنيفهم من جديد، وعزل القيادات، عن الأعضاء المنضوين تحت المجموعة ج، ثم يتم وضع القيادات في أماكن عزل خاصة، وظروف مختلفة عن الظروف التي يتمتع بها الأفراد العاديون، وهذا لفترة زمنية محدودة.
المرحلة الثانية هي الإفراج عن العناصر الأقل خطراً، حيث سيتم الإفراج عنهم عقب تعرضهم لبرامج توعية، ستشمل، ندوات فكرية، محاضرات توعوية، لقاءات فردية مع منشقين، وأعضاء سابقين، جلسات خاصة مع علماء دين من الأزهر الشريف، وكل يقوم بكتابة تقييم للعضو العائد.
المقاربة المصرية تقوم على نموذج استرشادي، في نزع التطرف على المدى البعيد، من خلال توفير بيئة سياسية تقوم على مشمولية إدماج الاعتدال، وإعادة هيكلة الحقل الديني، حيث سيتم التركيز على التعامل من خلال توفير الدمج السياسي للاعتدال مع القيادات الإرهابية بالسجون، القادرة على استقطاب كوادر جديدة، وعزلها عن بقية النزلاء، وتأهيل الكوادر والمتعاطفين الأصغر سناً، وتطبيق برامج التوعية الفكرية، وتصحيح عقائدهم، والعودة لدمجهم في المجتمع.
من المفترض أن النموذج المصري يقوم على الاحتضان في المجتمع، حيث سيتم احتضان الأعضاء العائدين من قبل الأسرة، ومنظمات المجتمع المدني، وتوفير ظروف حياة كريمة لهم.
الخلاصة، انه يقوم هذا النموذج على الفرز، والتوجيه، والاستقطاب داخل العزل أو السجون، ثم إعادة التحقيق، والعرض على توجيهات فكرية متعددة، ثم الدمج في المجتمع عبر المزيد من الأدوات والاستراتيجيات لتعطيل التطرف العنيف، التي تعمل على احتواء العناصر المتطرفة العائدة من مناطق الصراع وتوجيهم إلى الرعاية النفسية والتأهيل المجتمعي.
++ موقع أمان

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة