Accueilالاولى"شجرة الظلام".. وثائقي يقتفي آثار قطر وتركيا في "الفوضى الليبية"

“شجرة الظلام”.. وثائقي يقتفي آثار قطر وتركيا في “الفوضى الليبية”

تقوت شوكة الإرهاب في ليبيا على نحو مقلق للمجتمع الدولي عقب سقوط نظام معمر القذافي إثر احتجاجات شعبية في إطار ما أطلق عليه “الربيع العربي”، ففي ظل الفراغ والفوضى الطارئين على البلاد بعد 2011 سعت عدة تنظيمات متطرفة إلى إيجاد موطئ قدم لها في الدولة المغاربية الثرية بالنفط، والواقعة على مرمى حجر من أوروبا، لكن المتشددين ما كانوا ليصولوا ويجولوا في ليبيا لولا وجود من يقدم لهم السند المالي واللوجستي.

وعرضت قناة “سكاي نيوز عربية”، مؤخرا، وثائقيا يسلط الضوء على نشوء جماعات متطرفة بليبيا في خضم الحرب الضارية بين القذافي ومعارضيه. ويقتفي العمل التلفزيوني آثار عدد من الشخصيات المرتبطة بتنظيمات متشددة مثل “القاعدة” و”أنصار الشريعة”، وكيف تحولت إلى أدوات في أيادي قوى إقليمية حرصت على فرض تيار من الإسلام السياسي في مرحلة ما بعد “العقيد”، الذي لم يترك وراءه إرثا مؤسساتيا يكفل تحصين ليبيا أمام الأطماع والأجندة.

ينطلق الوثائقي المعنون بـ”شجرة الظلام” من مقطع فيديو مثير يوثق إقامة صلاة الغائب بمدينة إسطنبول التركية على مقاتل ليبي يسمى وسام بنحميد سبق له أن بايع تنظيم “داعش” بشكل صريح بعد مسار نشيط في “الجماعة الليبية المقاتلة”. وهنا يتساءل العمل عما يجعل شخصا يجر إرثا متشددا تم توثيقه بالصورة والصورة ينال هذه الحظوة في بلد عضو في حلف شمال الأطلسي.

في جويلية  2016، نبه تقرير دولي إلى قيام “الجماعة الليبية المقاتلة” وجماعة “أنصار الشريعة” وبعض زعماء المجموعات المسلحة الأخرى، التابعة لتحالف مجلس شورى ثوار بنغازي، بالدفاع عن خيار الدخول في “تحالف مصلحة” مع تنظيم “داعش” من أجل محاربة الجيش الوطني الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر.

ويضيف العمل أن هذا التنبيه لم يكن كافيا لتجد “الجماعة الليبية المقاتلة” نفسها منبوذة، فالأوراق التي عُرضت في الوثائقي تظهر شيكات صادرة عن مصرف ليبيا المركزي وبختم من وزارة الدفاع لصالح ميليشيات تقاتل من منطلقات متشددة وسبق لها أن ضلعت في ممارسات وصفها حقوقيون بالفظيعة، لكن هذه الملايين الستة من الدينارات الليبية قد لا تكون سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد.

وتمت هذه التحويلات المالية السخية أثناء سيطرة فصائل إسلامية على العاصمة طرابلس، التي كانت تحت إدارة حكومة تابعة لتيارات دينية، أبرزها “الإخوان المسلمون”. ويقول منتقدو السلطة في هذه الفترة إن المتشددين تشبثوا بسلطة المؤتمر الوطني العام بعدما أتاح لهم البيئة المثالية للمضي قدما في معادلة المال والفوضى.

وبالرجوع إلى المقطع المثير لصلاة الغائب، يتبين أن وكيل وزارة الدفاع في تلك الحكومة الليبية، خالد الشريف، حضر الحدث التأبيني في اسطنبول. والجدير بالذكر أن شريف كان نائبا لرئيس “الجماعة الليبية المقاتلة”، وسبق له أن راكم سجلا قتاليا في أفغانستان على غرار ثلة من المتشددين، الذين وجدوا مرحلة ما بعد 2011 فترة مواتية للعودة إلى الواجهة.

إزاء هذا التدفق لمقاتلي “القاعدة” على الساحة الليبية، يرى الخبير في الجماعات المتشددة، علية العلياني، أن رحيل القذافي خلف فراغا في البلاد بالنظر إلى عدم وجود مؤسسات تحمي الدولة، ولذلك لم يكن مستغربا أن يحاول متشددون ارتقاء مناصب السلطة.

ولأن التنظيمات المتشددة تدرك جيدا مخاطر تقديم نفسها بالهوية الفعلية مثل التصريح بكونها فرعا لـ”القاعدة” أو “داعش”، فقد عملت، بحسب الباحث، على الاختباء وراء أسماء مثل تنظيم “أنصار الشريعة”، لكن المسمى لا يختلف في نهاية المطاف.

وإلى جانب الشخصيات المتشددة المذكورة، يسلط الوثائقي الضوء على إسماعيل الصلابي، الذي يوصف برجل الدوحة في ليبيا، كما أشارت تقارير عدة إلى كونه صديقا حميما لمدير المخابرات القطرية غانم الكبيسي. وإذا كان إسماعيل قد بلغ هذا القرب من قطر، فذلك يعود بالأساس إلى نفوذ أخيه علي الصلابي، الذي يقيم بقطر منذ أعوام طويلة حتى أنه صار يوصف بقرضاوي ليبيا كناية عن يوسف القرضاوي المصري.

وفي هذا السياق، يقول رئيس المجلس الوطني الانتقالي السابق في ليبيا، مصطفى عبد الجليل، إن الدعم القطري كان سخيا للمعارضة المسلحة في ليبيا، ففي إحدى المرات التي شهدت نفاد الوقود من محطة البريقة كان اتصال مقتضب بالصلابي كافيا لتحريك باخرة من قطر. أما الدعم التركي المنسجم مع نظيره القطري فجاء في فترة لاحقة، إذ حل مبعوث من أنقرة ببنغازي في عز الأزمة، وبعد يوم واحد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أروغان الاعتراف بالمعارضة.

ويعرض “شجرة الظلام” مقطعا يظهر فيه قائد القوات القطرية الخاصة، حميد فطيس المري، وهو يحمل العلم القطري أثناء اقتحام باب العزيزية في طرابلس، إلى جانب عبدالحكيم  بلحاج، القائد الأول لـ”الجماعة الليبية المقاتلة”، وهذه الشخصية أريد لها أن تتصدر المشهد والأحداث، فتم تقديم الرجل بصفة قائد المجلس العسكري في طرابلس، حسب ما يؤكده مصطفى عبد الجليل.

وقدر تقرير حكومي في فرنسا ثروة بلحاج بقرابة مليار دولار سنة 2017 وسط مخاوف دولية من وقوع المال الليبي في أياد غير أمينة تسخره لأغراض إرهابية تبث الفوضى والأنشطة المحظورة.

أما مهدي الحاراتي، وهو معاون بلحاج، فأسس لواء عسكريا في سوريا أطلق عليه اسم “الأمة”، وتظهر صورة متاحة على شبكة الإنترنت الرجل وهو يقبل رأس أردوغان بعدما أشرفت الشخصية الليبية المشبوهة على نقل عدد من المقاتلين من ليبيا إلى سوريا عن طريق مدينة اسطنبول. لكن الحاراتي، الذي زج بشبان في أتون المعارك، عاد إلى ليبيا وأصبح عميدا لبلدية العاصمة، بينما ظل آخرون هائمين في أرض معركة ليس لهم فيها ناقة ولا جمل.

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة