Accueilالاولىمحمد علي الحباشي يستعرض علاقة يهود تونس بدولة الاستقلال

محمد علي الحباشي يستعرض علاقة يهود تونس بدولة الاستقلال

خلف  قرار تعيين  رجل الأعمال التونسي  رينيه الطرابلسي وزيرا للسياحة جدلا واسعا في أوساط التونسيين على مختلف اتجاهاتهم ورتبهم الاجتماعية والثقافية  بين مؤيد ورافض لهذا التعيين كل من زاويته الايديولوجية والعقائدية  حتى ان مجموعة من المحامين من المحسوبين على التيار القومي قرروا اللجوء الى القضاء لمنع وصول الطرابلسي الى سدة وزارة السياحة بعد ان شككوا في ولائه للدولة التونسية .

والجدل حول  وضعية اليهود في تونس لم يكن وليد هذه الساعة بل يعود الى قرون  خلت  وللوقوف  على اهم محطاتها  استنجدنا  بالباحث التونسي  والاعلامي محمد علي الحباشي  لانارة الرأي العام وخاصة الشباب منهم   حول يهود تونس  والمراحل المتقلبة التي عايشوها في هذا البلد

يقول الحباشي ” منذ الاستقلال اختار الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الاصطفاف وراء ما كان يسمى بالعالم الحر  زمن التنافس على تقاسم مناطق النفوذ بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي .

ومنذ الخلاف البورقيبي اليوسفي واحتضان مصر الزعيم الراحل صالح بن يوسف ألصقت بالزعيم بورقيبة تهمة التذيل الى الغرب وظلت وصمة ” العميل ” تلاحقه خاصة عندما دعا الاعتراف المتبادل بين الفلسطينيين والاسرائليين عام 1964 .

ووصل الأمر الى حد التشكيك في استقلال تونس على أساس أن فرنسا التي وافقت على الاستقلال بمقتضى بروتوكول 20 مارس 1956 ووافقت قبل ذلك على منح المغرب استقلاله يوم 2 مارس 1956 انما كان بهدف عزل الجزائر التي كانت لا ترزال تخوض كفاحها المسلح من أجل الاستقلال وبالتالي حرمانها من السند الذي كانت تلقاه من كل من تونس والمغرب .

قبل ذلك – يقول الحباشي – وعند احرازها على الاستقلال الداخلي بمقتضى اتفاقية جوان 1955 اعتبر بن يوسف ان معاهدة الحماية  التي فرضتها فرنسا على محمد الصادق باي  يوم 12 ماي  1881 لا تقل خطورة عن اتفاقيات الاستقلال المنقوص  وكان وراء اتفاقيات الاستقلال الداخلي رئيس وزراء فرنسا انذاك منداس فرنسي وهو من أصل يهودي مما زاد في ترسيخ الشبهة  خاصة بعد اسناد حقائب وزارية الى تونسيين من ذوي الديانة اليهودية في حكومة الاستقلال الأولى  وكذلك كان الأمر في المغرب  وكان ذلك الاصرار ” على تواجد جميع التيارات في كل تفاوض هي قاعدة ثابتة من قواعد الاستعمار الفرنسي الذي يصر عليها كأحسن وسيلة لتجزئة الاتجاه الطلائعي في كل حركة وطنية وزرع بذور الانحراف والاجهاض في  نفس الوقت وقد حاول الاستعمار تطبيق هذه القاعدة على الجزائرأيضا  ” 1

وكانت مقابلة سرية جمعة الزعيم بورقيبة بمنداس فرانس في بيت أحد كبار يهود تونس هنري سماجة مدير صحيفة  لو كومبا  ويذكر بورقيبة نفسه بهذا اللقاء ” طلب منداس فرانس مقابلتي بصفة سرية وفعلا تمت المقابلة واستعرض أمامي الوضع السيئ  الذي عليه الحكومة الفرنسية بسبب المعارك في تونس وثورة الجزائر والقلاقل في المغرب واستفسرني عن الحل ” 2

في ذات السياق كان الطاهر بن عمار اعلن قبل تشكيل حكومة الاستقلال المنبثقة عن مفاوضات الحكم الذاتي  أمام الممثل السياسي للمؤتمر اليهودي العالمي في أوت 1954 ” اننا نتمسك دوما بأحسن العلاقات مع اليهود بكافة الحقوق كسائر المواطنين وان أول حكومة بعد الاستقلال سوف تضم يهوديا ” 3

وأكد بورقيبة من جانبه قبل شهر من اعلان منداس فرانس استعداد فرنسا منح تونس استقلالها الذاتي يوم 24 جويلية 1954 انه ” بالنسبة الى الاسرائليين الذين يعيشون منذ قرون في تونس ولهم الجنسية التونسية لا تطرح مسألة المشاركة في الشؤون العامة وأنهم تونسيون يتمتعون بكل حقوق المواطنين التونسيين  ”  4

وكانت حكومة الاستقلال الأولى مثلت يهود تونس في شخص ألبير بسيس كوزير للاسكان والتعمير من   سبتمبر  1955 الى أفريل 1956 .

وضمت حكومة الحبيب بورقيبة التي شكلها يوم 14 أفريل 1956 بعد الاستقلال التام وزيرا اخر من الديانة اليهودية  وهو أندري باروش  كوزير للاسكان والتعمير من 14 أفريل 1956 الى 29 جويلية 1957 .

وكان باروش ينتمي الى فئة اليهود التونسيين الذين كانوا يعتبرون تونس وطنهم فربطوا مصيرهم بمصيره وانخرطوا في الحركة الوطنية  مقابل الذين فضلوا الجنسية الفرنسية ليصبحوا من رعايا فرنسا بعد الاحتلال .

وكان الحزب الاشتراكي الراديكالي –حزب منداس فرانس – من الأحزاب الفرنسية التي ساندت مبكرا منذ 1906 نداءات يهود تونس من أجل الحقاهم بفرنسا وخاصة الحاقهم بالمحاكم الفرنسية ضمانا لمصالحهم الاقتصادية ورعاية لشؤونهم الدينية والروحية وهو نفس الحزب الذي ضمن الاستقلال الداخلي لتونس لكن على قاعدة تمثيل اليهود في الأجهزة الحكومية والسياسية عامة  ولكن لن تكون لهم الحظوة التي كانوا يأملونها لدى الدولة الوطنية الناشئة  منذ أولى سنوات الاستقلال من ذلك أنه حتى سنة 1957 كان اليهود التونسيون خاضعين في تنظيم أحوالهم الشخصية للشريعة الموسوية والمحاكم العبرانية  التي كانت احدثت في اواخر القرن ال19  بمقتضى أمر 1898  وجاء قاون 27 سبتمبر 1957 ليلغي تلك المحاكم ويوحد الأحوال الشخصية بين كل التونسيين مهما كان معتقدهم وينص الفصل الأول من هذا القانون بالخصوص على أنه ” بداية من غرة أكتوبر 1957 يلغى مجلس الأحبار وتنتقل جميع القضايا الجارية لديه الى المحكمة الابتدائية بتونس ”

ثم قررت الحكومة بمقتضى قانون صدر في 11 جويلية 1958  حل المجالس الجهوية المنتخبة من أهم المدن التونسية  وعينت لجانا مؤقتة  والتعليم الديني وهو ما اعتبره   اليهود مسا من حرية ممارسة شعائرهم الدينية  والتقى كاتب الدولة للعدل أحمد المستيري اناذاك بعدد من المواطنين من ذوي الديانة اليهودية  وكانت وزارته هي التي تم تكليفها باعادة هيكلة الجالية اليهودية وألقى كلمة بين فيها ما لهم من حقوق وما عليهم من واجباتازاء الدولة داعيا  اياهم الى التخلي عن العقلية التي كانت عندبعضهم زمن الحماية الفرنسية في تعاملهم مع الاستعمار او انتمائهم الى منظمات صهيونية . وتولى المستيري بالمناسبة تنصيب أعضاء الرابطة الاسرائيلية المعينين من قبل الحكومة  وتسليم كبير الأحبار الأمر القاضي بالاعتراف به الأب الروحي لليهود القاطنين بتراب الجمهورية التونسية ”

بررت دولة الاستقلال تلك الاجراءات بالحرص على وحدة التونسيين وتساويهم بقطع النظر عن الديانة . أما لما أقدمت على ازالة أكبر مقبرة يهودية في قلب العاصمة فقد بررت ذلك الاجراء الذي حز كثيرا في نفوس أبناء الجالية  اليهودية بمقتضيات جمالية المدينة ” في وسط العاصمة وفي مستوى شارع لندرة – الحبيب ثامر – كانت توجد مقبرة اليهود التونسيين حتى سنة 1957 وتمسح 6 هكتارات  ونصف وبها من القبور ما يزيد عن ال60 ألف وكانت  من ممتلكات  الرابطة اليهودية .

وفي 25 فيفري 1958 صدر بالرائد الرسمي ما يفيد ان بلدية تونس طلبت تأميم المقبرة  لتحويلها الى حديقة عمومية والتي تعرف اليوم بحديقة الباساج .

وداهمت  جرافات الأشغال العامة المقبرة وأزالت كل ما كان بها من قبور وبعضها كانت تضم رفات روحيين وكانت مزارا لليهود . وكان ذلك الاجراء ايذانا لليهود بجمع أمتعتهم والرحيل لا سيما  وقد تزامن ذلك مع قرار هدم ” الحارة ” بما فيها من معابد  اليهود التاريخية  وكانت تزيد عن ال20 معبدا  أزيلت كلها  الا المعبد الكبير الذي رأت  مصلحة الأثار ادراجه ضمن معالم البلاد التاريخية لكن في شهر نوفمبر 1961 أتى عليه الدور ليتم هدمه هو أيضا .

وسترحل أفواج أخرى من اليهود على اثر نكسة جوان 1967 وما تسببت فيه من اضطرابات  ومظاهرات في العاصمة تخللتها اعتداءات تخريبية على المحلات اليهودية .

وتزامن شهر جوان 67 مع قرار الحكومة تأميم صحيفتين ناطقتين بالفرنسية كانت على ملك اثنين من يهود تونس  صحيفة لابراس بعد ان تورط صاحبها هنري سماجة في قضية تهريب عملة  وصحيفة لوبتي ماتان  لصاحبها سيمون زانة لأسباب مالية والعجز عن مواصلة الصدور .

ومن رواسب اهتزاز العلاقة التاريخية بين يهود تونس وسائر التونسيين الاخرين الجدل الذي أثاره انتخاب سارج عدة وهو  تونسي من أصل يهودي في الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان  في ديسمبر 1984  وهو ما جعل احدى الصحف التونسية  تكتب ” أن اليهود أهل طمع وجشع يدوسون على أقدس المقدسات في سبيل كسب رخيص وهم قردة وخنازير  حتى وان كانوا على صورة بشر ” *

على اثر صدور ذلك المقال يوم 28 ديسمبر 1984 تحت عنوان قصة السبت  دعت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان الى تتبع الصحيفة قضائيا وجاء في بيان أصدرته الرابطة يوم 22 جانفي 1985 ” السيد سارج عدة يهودي تونسي معروف بنشاطاته الكثيفة في الأوساط التونسية بباريس في معظم الأطر التي تشكلت للدفاع عن حقوق الانسان والتضامن مع ضحايا القمع والمساجين السياسيين وهو معروف بشكل شخص بمواقفه ضد الصهيونية والمؤيدة بشكل واضح للكفاح الفلسطيني ”

وسارج عادة هو ابن المناضل السياسي والاجتماعي جورج عدة الذي شارك في مقاومة الاحتلال الفرنسي ومعارضة الزعيم الحبيب بورقيبة ضمن المجموعات المطالبة بارساء التعددية والديموقراطية في تونس كما كان جورج عدة اول من بعث برسالة شديدة اللهجة الى الرئيس السابق زين العابدين بن علي مطالبا باطلاق سراح الزعيم بورقيبة ورفع القيود عن تحركاته بعد الاطاحة به يوم 7 نوفمبر 1987 .

وحسب محمد علي الحباشي فان تاريخيا لم تكن مسألة المساواة بين اليهود وغيرعم من التونسيين مرتبطة بحقبة الاستقلال وملابساتها وانما تعود الى منتتصف القرن ال19 في ارتباط بالامبراطورية العثمانية والقوى العظمى انذاك عند صدور بعض التشريعات الحديثة التي كانت تعرف بالتنظيمات أقدم على سنها الأتراك بدفع من أوروبا تأمينا لمصالح رعاياها في مختلف الايالات العثمانية وكان لتلك التشريعات تأثيرها على وضعية الأقليات الاتنية والدينية .

في تونس جاء عهد الأمان 10 سبتمبر 1857 ليلغي لأول مرة المعيار الديني والعقائدي في تحديد الجنسية للرعايا التونسيين من ذلك ما نصت عليه  القاعدة الثامنة من عهد الامان ” سائر رعيتنا من المسلمين وغيرهم لهم المساواة في الأمور العرفية والقوانين الحكمية لا فضل لأحدهم على الاخر في ذلك ”

أما دستور 26 أفريل 1861 فكان أكثر وضوحااذ جاء الفصل 87 للتنصيص على أن رعايا المملكة صنفان ”  مسلمون ويهود وتجمعهما أخوة الرعاية  والنسبية للملكة التونسية يستحقها المسلم من أهل المملكة التونسية يستحقها اليهودي ”

كم نص الفصل 78 على أن ” كل واحد من أهل المملكة التونسية لم تصدر منه جناية تشين عرضه أو تنقص مروءته الانسانية له الحق في سائر منافع الوطن والدولة من الخطط والخدم اذا كان اهلا أناط الاستحقاق بالأهلية المروءة الانسانية ولم ينطها بديانة أو جنسية ”  لكن مثل تلك التشريعات  لم تكن تجد ما يجسمها في الواقع وهو ما عبر عنه أحمد بن أبي الضياف  في تعليقه على عدم انتخاب من يمثل اليهود في المجلس الأكبر  رغم أنهم كانوا يعتبرون من رعايا الدولة التونسية  بقوله ” يمكن أن تكون سياسة الملك في عدم انتخاب يهودي  لأن القانون لم يشتهر ولم يتخلق الناس بالتسوية ”

في القرن ال19 كانت الذهنية العامة في المجتمع التونسي كما في سائر المجتمعات العربية الاسلامية  مشدودة الى الماضي وتراث الأوائل فيما يخص المفهوم التدريجي لمعنى المساواة في مختلف مراحل التاريخ الاسلامي  . المسلمون اخوة ومتساوون ولكن لا يستوي المسلم مع النصراني أو اليهودي  فالدين هو أساس التمايز والتفاضل وأول هذه التشريعات وردت عن عمر بن عبدالعزيز الخليفة الأموي في اواخر القرن الأول للهجرة  فقد أمر بالتمييز بين المسلمين وذلك ان يخالف غير المسلمين في طريقة ملابسهم وقص شعورهم كما أصدر المتوكل قرارا ورد فيه النهي عن استخدامهم  في الدواوين  كما نهى عن تعليم أولادهم بكتاتيب المسلمين وكان من الطبيعي ان تتطور الحياة اليومية بين مختلف المجموعات الدينية في اتجاه  غير اتجاه المساواة  ففي تونس مثلا لم يتم الغاء التمايز في اللباس بين المسلمين واليهود الا في منتصف القرن 19 عندما منح قانون 15 أفريل 1858 لليهود التونسيين الحق في وضع الشاشية الحمراء عوضا عن السوداء التي كانت حتى ذلك الوقت مفروضة عليهم .

المصادر –

1-محمدالميلي المغرب العربي بين حسابات الدول ومطامع الشعوب – دار الكلمة للنشر بيروت 1981

2-  الحبيب بورقيبة تونس وفرنسا

3- عبدة علي ابراهيم وخيرية قاسمية يهود البلاد العربية  مركز ابحاث منظمة التحرير الفلسطينية بيروت 1971

4 –الحبيب بورقيبة  تونس وفرنسا

 

 

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة