“إسكوبار الصحراء”.. قصة بارون مخدرات مالي جر مسؤولين مغاربة للقضاء

0
1173

كشفت التحريات االجارية في المغرب في قضية “إسكوبار الصحراء” تشعب الملف، وضلوع المتهمين في شبكة اتجار دولية لتهريب المخدرات.

وتفيد التسريبات من هذا الملف، الذي تتابع فيه رؤوس كبيرة في عالمي السياسة والرياضة، بكون الشبكة وظفت جميع الإمكانيات، من سيارات وبواخر وطائرة مسيرة مزودة بكاميرا للمراقبة، لتسهيل تهريب المخدرات، مخترقة الحدود المغربية الجزائرية.

ويتهم زعيم الشبكة بن إبراهيم الحاج أحمد، الملقب بـ”المالي”، رئيس جهة الشرق عبد النبي بعيوي، المتابع في هذه القضية، بالاستعانة بمساعديه لنقل المخدرات، واختراق الحدود الجزائرية، وصولا إلى النيجر وليبيا.

لا يقف “إسكوبار الصحراء” عند هذا الحد، بل إنه يتحدث عن مشاركة البرلماني السابق بلقاسم مير، الذي ليس سوى صهر بعيوي، في هذا العمل، مستعملا سيارات رباعية الدفع للتكفل بالعملية، والسهر على تأمين وصول الشحنات من الممنوعات.

ويحضر اسم رئيس نادي الوداد البيضاوي لكرة القدم، سعيد الناصري، في هذه الاتهامات التي أطلقها بارون المخدرات، إذ إن الروايات التي قدمها أثناء التحقيق معه، وتم تسريبها، تفيد بأن قيادي “البام” ورئيس مجلس عمالة الدار البيضاء كان حاضرا خلال مناقشة تفاصيل تهريب أطنان من هذه الممنوعات.

واستغلت هذه المجموعة مقلعا للأحجار يتواجد على مستوى طريق وجدة في اتجاه السعيدية مكانا لمناقشة تفاصيل مخططات تهريب المخدرات، التي تستعمل إلى جانب سيارات الدفع الرباعية البواخر أحيانا.

وتمتلك هذه المجموعة المتابعة في قضية تهريب المخدرات القدرة على اختراق الحدود بين المغرب والجزائر، من خلال استقطاب جنود من البلدين على الشريط الحدودي.

وأعلنت النيابة العامة في الدار البيضاء، الأحد، إيداع 20 شخصاً السجن في هذه القضية، في ارتباط بالتحقيقات المتواصلة في واحدة من أكبر شبكات الاتجار الدولي في المخدرات، فَجَّر تفاصيلها بارون مالي يعرف باسم “إسكوبار الصحراء”. 

من الرعي إلى تجارة المخدرات

اسمه الحاج أحمد بن إبراهيم، وُلِد في عام 1967 بمدينة كيدال شمالي مالي. ويشير تقرير نشرته مجلة “جون أفريك” الباريسية إلى أنه من أم مغربية تنحدر من مدينة وجدة في شرق البلاد، ووالده من مالي، وكان يعمل في رعي الجمال.

كان من المفترض أن يعيش الحاج أحمد بن إبراهيم حياة بسيطة في رعي الجمال، ولكن حياته تغيرت بشكل غير متوقع بعد لقائه بفرنسي تائه في الصحراء أثناء رالي باريس-دكار.

ونظير مساعدته منحه الرجل سيارته لبيعها والحصول على مكافأة، لكن المالي باع السيارة، وبعث ثمنها إليه، ليتبين للأخير أنه “رجل ثقة”، ويبدأ معه تجارة واسعة لتصدير السيارات من أوروبا نحو إفريقيا.

بدأ بن إبراهيم في مجال تجارة السيارات من أوروبا إلى إفريقيا، وأصبح لديه معرفة عميقة بمنطقة الصحراء وتجارة المخدرات والأسلحة في المنطقة، واستفاد من مهاراته في تحديد مسارات المنطقة وتوجيه الأعمال فيها، ما جعله محط اهتمام شخصيات قوية في المنطقة.

وعمق بن إبراهيم معرفته بالمنطقة، ليضبط خرائط منطقة الساحل، ويتعلم لهجات قبائل الأزواد في الساحل الإفريقي، ما مكنه من مهارات جعلته محط اهتمام عدد من الشخصيات القوية في المنطقة، للاستعانة بخدماته في نقل البضائع.

واستغل بن إبراهيم معرفته بالمنطقة لتوسيع نشاطه في تجارة المخدرات، حيث بدأ في نقل الكوكايين من أميركا اللاتينية إلى بلدان غرب إفريقيا، ثم من هناك إلى شمال إفريقيا وأوروبا. 

وكسب بن إبراهيم الكثير من المال، وبدأ يعيش حياة الأثرياء، بحسب “جون أفريك”، إذ تزوج ابنة مسؤول عسكري بوليفي كبير، واشترى جزيرة خاصة في غينيا وشققاً في البرازيل وروسيا وأراض في بوليفيا. كما اشترى فيلا بمدينة الدار البيضاء المغربية، وحصة في فندق فاخر بإسبانيا. 

عشرات الأطنان من الحشيش

منذ عام 2010 بدأ المالي بنسج علاقات مع مسؤولين مغاربة، خاصة في منطقة شرق البلاد، حيث تعود أصول والدته، وكذلك آخرين في الشمال، لتوزيع القنب الهندي كما ذكر تقرير “جون أفريك”. وتمكن بالفعل من توزيع كميات تتراوح بين 30 و40 طناً من الحشيش، في عمليات متفرقة. 

في عام 2015 أوقفته السلطات الموريتانية في عملية مطاردة على الحدود مع المغرب، وهو على متن سيارة تحمل 3 أطنان من المخدرات ومبالغ مالية مهمة. أُودِع السجن في نواكشوط، ولكن محكمة العاصمة اتخذت قراراً بـ”عدم الاختصاص” ليطلق سراحه.

لكنه بعد ذلك اعتقل من طرف الدرك على الحدود الموريتانية، ليقضي 4 سنوات في السجن، حاول إثرها العودة إلى أعماله، واسترجاع بعض الممتلكات والأموال بالدار البيضاء. 

لم يكن المالي يعلم أنه مطلوب في المغرب أيضاً، إذ أوقفته قوات الأمن في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، على خلفية حجز 40 طناً من المخدرات، على متن شاحنات تابعة لشركة كانت في ملكيته، يقول إنه كان قد باعها لرئيس جهة الشرق بالمغرب، غير أن هذا الأخير لم يغير رخص الشاحنات بحسب تصريحات المالي. 

الإطاحة بشبكة مسؤولين مغاربة

يتحدث التقرير عن “خيانة وغدر” تعرض لهما تاجر المخدرات من رفاقه المغاربة، ما دفعه لتقديم شكاوى ضد مسؤول بجهة الشرق، واستنفار الشرطة القضائية في المغرب لفتح تحقيق. 

حتى الآن قرر قاضي التحقيق إيداع 20 شخصاً السجن، بعد استنطاقهم ابتدائياً، بينهم من يتولى مهاماً نيابية أو مسؤولية مقاطعات أو مكلف بإنفاذ القانون.

وقال بيان للنيابة العامة الأحد، إن نتائج الأبحاث التي أنجزتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، كشفت عن الاشتباه في قيام بعض الأشخاص بارتكاب أفعال لها ارتباط في أغلبها بذات الوقائع التي سبق أن تُوبع في إطارها الشخص الأجنبي المذكور، وآخرون لهم ارتباط به أدينوا بعقوبات سالبة للحرية.

وضمت قائمة الاتهامات بحسب البيان “المشاركة في وفاق قصد مسك المخدرات والاتجار فيها ونقلها وتصديرها ومحاولة تصديرها، والإرشاء والتزوير في محرر رسمي، ومباشرة عمل تحكمي ماس بالحرية الشخصية والفردية قصد إرضاء أهواء شخصية، والحصول على محررات تثبت تصرفاً وإبراءً تحت الإكراه، وتسهيل خروج ودخول أشخاص مغاربة من وإلى التراب المغربي بصفة اعتيادية في إطار عصابة ووفاق وإخفاء أشياء متحصل عليها من جنحة”.

وأفاد البيان بأن قاضي التحقيق قرر إيداع 20 متهماً السجن مع إخضاع شخص واحد للمراقبة القضائية، فيما عملت النيابة العامة على تكليف الشرطة القضائية المختصة بمواصلة الأبحاث في حق 4 آخرين، بهدف استجلاء خيوط بعض جوانب وقائع هذه الجريمة.

وتثير القضية اهتماماً واسعاً وسط الرأي العام المغربي، خاصة وأن من بين المسؤولين الذين أُطِيح بهم رئيس نادي الوداد الرياضي سعيد الناصري، ورجل الأعمال البارز ورئيس مجلس جهة (محافظة) الشرق، عبد النبي بعيوي.

وهما معاً أعضاء في حزب “الأصالة والمعاصرة”، الذي يشارك في الائتلاف الحكومي. وقد أعلن الحزب تجميد عضوية العضوين المعنيين بالقضية، واحترام قرار القضاء.