Accueilالاولىمفهوم جريمة تبييض الأموال

مفهوم جريمة تبييض الأموال

تعتبر ظاهرة تبييض الأمـوال ( blanchiment d’argent )أخطـر ظواهـر عصر الاقتصاد الرقمي باعتبار أنها التحدي الحقيقي أمام مؤسسات المـال والأعمـال وبالنظر لكونها ترتبط بأنشطة غير مشروعة وعمليات مشبوهة يتحقق منها دخول طائلة تؤثر سلبا على الاقتصاد المحلي والعالمي .
وتشمل عمليات تبييض الأموال مجمـوعة الأنشطة التي تتـم بعيدا عـن أجهزة الدولة القانونية ، ولا تسجل في حسابات الدخـل الوطني وهـذه الأنشطة تمثل مصدرا للأموال القذرة التي يحاول أصحابها تبييضها في مرحلة تالية وذلك بإجراء مجموعة من العمليات والتحويلات المالية والعينية على هذه الأموال لتغيير صفتـها غير المشروعـة
وإدخالها ضمن النظام الشرعي لإكسابها صفة مشروعة ، وبذلك تهدف عمليات تبييض الأموال إلى إخفاء مصادر أموال المجرمين وتحويلها بعد ذلك لتبدو كاستثمارات قانونية.
وإذا كانت جريـمة تبييض الأمـوال حديثة النشأة فإنها كظـاهرة لا تعتبر كذلك بحيث أن لفظ ” غسل الأمـوال ” ” MONEY LAUNDERING ” بـدأ مصطلحـا و ظاهرة إجرامية في الولايات الأمريكية في المدة ما بين 1920م إلى 1930 م ، حيث استخدم رجال الأمـن الأمريكيون لفظ “غسل الأموال ” للدلالة على مـا كانت تقوم بـه عصابات المافيا من شراء للمشروعات و المحلات بـأموال قـذرة ذات مصدر غـير مشروع ، و مـن ثـم خلطها برؤوس أموال و أرباح مـن تلك المشروعات لإخفـاء مصدرها عن أعين الرقابة ، وهو ما قام به أحد أشهر قادة المافيا ( آل كابون) ، والذي أحيل عام 1931 على المحاكمة لكن ليس بتهمة تبييض الأموال غيـر المجرمة في ذلك الوقت وإنما بتهمة التهرب الضريبي .
و فـي الوقت ذاته تم استخدام لفظ ” المـال القذر ” “DIRTY MONEYY ” للدلالـة على تلك الأموال التـي يستوجب إخفـاء مصدرها غسـلا تفاديـا لانكشاف الجرائم و الأفعال المولدة لتلك الأموال .
و قد يكون من الصعب الجـزم بأن تبييض الأموال ، بوصفه جريمة بـدأ فـي الولايات الأمـريكية ، لكـن اليقين أن تبييض الأمـوال باعتباره ظـاهرة إجرامـية
– ارتبطت بالجريمـة المنظمة – بدأت فـي الولايـات المتحدة الأمريكية بعـد الحرب العالمية الأولى ، و تزايدت في النمو و التوسع منذ الكساد الاقتصادي العظيم في عهد الرئيس الأمريكي ” فرانكلين روزفلت ” حتى نهاية القرن العشرين .
و لكـن هـذه الظاهرة لـم تقتصر على الو.م.أ فقط ، إذ تشير أقدم المصـادر أن غسل الأموال خارج الو.م.أ بدأ خلال الحرب العالمية الثانية ” 1939 – 1945 ” فقد قامت الحكومة الأمريكية و من خلال وزارة الخزانة الأمريكية بعملية سميت”الموطـن الآمن ” للبحث و حصر الأموال التي قامت المصارف السويسرية بغسلها لصالح النظام النازي الألماني ، و حينما وقعت الأدلة في أيـدي اللجنة المشكلة لذلك دعت الحكومـة الأمريكية العالم إلى عدم الاعتراف بالأموال المنهوبة و المسروقات التي استولى عليها الجيش الألماني في أوربا ، و طالبت بإعادتها لأصحابها الشرعيين .
وأشارت تقارير لاحقة أن جزءا من تلك الأموال المنهوبة كانت بأسماء أشخاص بارزين في النظامين النازي والفاشي ، وقد ظهر أن تلك الأمـوال تم تحويل جـزء منـها إلى حسابات شخصية في أمريكا اللاتينية ودول النظام الشيوعي سابقا ، حيث انقطعت الصلة تماما بين تلك الأموال ومصادرها غير المشروعة .
وقد بقت ظاهرة تبييض الأمـوال وإلى غاية سنة 1988 محـل اهتمام دولـي وإقليمي ووطني وهذا ضمن إطار البحث العلمي ورسم الخطط وبناء الإستراتيجيات من دون أن يصل إلى إطار دولي أو وطني واضح يجرم هذه الظاهرة ويوحد الجهود لمكافحتها.
ويمكن القول أن عام 1988 يمثل سنة الارتكاز بالنسبة للجهود الدولية في حـقل محاربة ظاهرة تبييض الأموال ، فخلال هذا العام وتحديدا في 19/12/1988 صـدرت اتفاقيـة الأمم المتحدة لمكافحة أنشطـة ترويج المخدرات ( اتفاقية فيينا) والتـي فتحت الأنظار على مخاطر أنشطـة تبييض الأموال المتحصلة من المخدرات وأثرها المدمـر على النظم الاقتصادية والاجتماعية للدول ، فهذه الاتفاقية وإن كانت لا تعـد مـن حيث محتواها خاصة بتبييض الأموال ، إذ هي في الأساس اتفاقية في حقل مكافحة المخدرات بيد أنها تناولت أنشطة غسيل الأموال المتحصلة من تجارة المخدرات ، باعتبار تجـارة المخدرات تمثل أكثر المصادر أهمية للأموال المبيضة .
وإلى جانب جهد الأمم المتحدة ، وبعد عام واحد تقريبا تأسس إطار دولي لمكافحة جرائم تبييض الأموال ( Financial action task force on money laundering – FATF )
والذي نشأ عن اجتماع الدول الصناعية السبعة الكبرى .
وقبل ذلك كانت اللجنة الدولية للنظام البنكي والممارسات الإشرافية وفي إطـار الجهـد المالي وعلى صعيد الهيئات المتخصصة قد أصدرت مبادئ إرشادية للحماية من جرائـم تبييض الأموال في ديسمبر 1988 عرفت باسم ( Basle Statement of Principles )
وقد سارع الاتحاد الأوروبي إلى إصدار الاتفاقية الأوروبية المتعلقة بإجـراءات التفتيش و الضبط الجرمي لتبييض الأموال وهذا خلال سنة 1990 ، وذلك لكون ظاهرة تبييض الأموال قد أصبحت مشكلة خطيرة في أوربا ،فقد اكتشفت أوربا أنها مرتع وبؤرة مالية عالمية لتبيض الأموال و إن عواصمها الكبـرى مثـل لندن و باريس و بروكسل و مدريد تتم فيها عمليات تبييض الأموال علنا و كأنها عمليات بيـع و شـراء عاديـة الأمر الذي فرض بالضرورة سن مجموعة من التشريعات الجديدة لوقف جميع أشكـال غسل الأموال ، و هو ما تم فعلا بحيث صارت العديد من التشريعات الداخلية تتضمـن نصوصا خاصة تجـرم و تعاقب نشـاط تبييض الأمـوال المتأتية مـن مصادر غيـر مشروعة.
و إذا كانت جهود الدول الأوربية و الصناعية لمكافحة تبييض الأموال جاءت في المقام الأول ضمن جهود مكافحة المخدرات بالأساس ، فإن الأمر يختلف بالنسبة للدول النامية بحيث أن عوائد أنشطة الفساد المالي و الوظيفي و التي أدت إلى خلق ثـروات باهضة غير مشروعة هي السبب الرئيسي لتجريم نشاط تبييض الأمـوال و محـاربته و هو ما يفسر لجوء العديد من هذه الدول إلى تجريم هذا النشاط .
و إذا كانت هذه الجريمة قد تفشت في الغـرب فإن طابعها الإجرامي التعاونـي جعلها جريمة منظمة تـقارفها منظمات إجرامية متخصصة ، و جريمة عابرة للحـدود بحيث أن مقترفيها أصبحوا يتربصون بالأسواق الناشئة في الدول النامـية و التي تسعى لفتح أسواقها أمام رأس المال الأجنبي مما بات يهدد اقتصاديات هذه الدول و هو ما يحتم عليها القيام بإجراءات للحيلولة دون تفشي هذه الظاهرة ، و هذا هو الهدف من اختيارنا لهذا الموضوع باعتبار أن بلادنا عرفت و ما زالت تعرف عدة نشـاطات إجرامية تدر أموالا باهضة و يحاول المتحصلون عليها إضفاء صفة الشرعية عليـها ، كما أن فتـح باب الاستثمار قد يكون مدخلا لنشاط مجموعات تسعى لنفس الغرض

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة