Accueilافتتاحيةمن المستفيد من الترفيع في نسبة الفائدة البنكية

من المستفيد من الترفيع في نسبة الفائدة البنكية

اثر الزيارة الأخيرة التي قامت بها بعثة صندوق النقد الدولي الى تونس من 4 الى 11 افريل 2018 والتي تأتي في اطار متابعة الصندوق لتقدم الاصلاحات الكبرى التي تعهدت بها الدولة التونسية تجاه الصندوق بمقتضى اتفاق مدته أربع سنوات في اطار تسهيل الصندوق الممدّد والذي تحصلت تونس بمقتضاه على قرض بقيمة 2.9 مليار دولار جدد خبراء الصندوق تذكيرهم للسلطة التونسية بالسياسات التي سيتبعونها في مجال الضغط على التضخم وذلك من خلال الترفيع في سعر الفائدة المديرية للبنك المركزي.

وعلى عكس اصوات العديد من الخبراء الماليين والاقتصاديين التونسيين الداعية الى التحكم في ارتفاع الاسعار من خلال سياسات قطاعية ترمي الى تعزيز الانتاج الوطني وتأهيل مسالك التوزيع والسيطرة تدريجيا على الاقتصاد الموازي يتشبث خبراء صندوق النقد الدولي بآلية السياسة النقدية المتمثلة في الترفيع في سعر الفائدة المديرية للبنك المركزي للضغط على التضخم رغم ان اسباب التضخم مرتبطة اكثر بالسياسات الاقتصادية والمالية والجبائية منها بالسياسة النقدية حيث ساهم الترفيع في الاداءات والضرائب بمقتضى قانون المالية لسنة 2018 من جهة والترفيع الربع سنوي في اسعار المحروقات فضلا عن تواصل انزلاق الدينار من جهة اخرى في ارتفاع الاسعار وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن.

وفي الوقت الذي يرى فيه خبراء صندوق النقد الدولي ان الترفيع في سعر الفائدة المديرية للبنك المركزي سيؤدي الى الضغط على الطلب الذي يقوم على قروض الاستهلاك قصيرة المدى وبقية القروض طويلة المدى وبالتحديد قروض الحصول على السيارة والقرض السكني وهي قروض لفائدة المستهلك، فان الترفيع في سعر الفائدة سيضرب من جهة أخرى كل مجهود استثماري يؤدي الى تحسين مردود النشاط القائم او بعث مشاريع جديدة تساهم في خلق مواطن شغل.

ومهما تكن تبريرات خبراء صندوق النقد الدولي للترفيع في سعر الفائدة المديرية للبنك المركزي ومدى نجاعة هذه السياسة وتأثيرها على الضغط على التضخم، فان تطبيق هذا التوجه في الواقع التونسي ستكون له انعكاسات خطيرة على الاستقرار الاجتماعي وعلى المقدرة الشرائية للمواطن التي اصبحت بين كماشة تجميد الأجور بتوصية من صندوق النقد الدولي في اطار الضغط على كتلة الأجور من جهة، وكماشة ارتفاع نسبة الفائدة بالسوق النقدية نتيجة ارتفاع سعر الفائدة المديرية للبنك المركزي لتصل الى مستوى ٪5.75 بعد الترفيع الاخير فيه بـ75 نقطة اساسية لتبلغ ٪6 في الايام القليلة القادمة بعد الترفيع المنتظر بـ25 نقطة اساسية من جهة أخرى.

ولئن يتفق الجميع حول الاثار السلبية للترفيع في نسبة الفائدة المديرة على الاستثمار باعتبار ارتفاع كلفة التمويل من قبل البنوك التي تؤدي الى تعميق الركود الاقتصادي من منطلق ضرب الاستثمار كمحرك للنمو، فان تواصل الترفيع في نسبة الفائدة بالسوق النقدية (taux du marché monétaire :TMM )ليبلغ ٪6 في الايام القليلة القادمة بعد ان كان في حدود ٪3 في سنة 2010 ستكون له اثار خطيرة على قدرة المواطن على تسديد ديونه تجاه البنوك والتي تحصل عليها لاقتناء سيارة او مسكن.

ومن هذا المنطلق، فان عدم الزيادة في الاجور مقابل تواصل ارتفاع الاسعار بسبب تواصل انزلاق الدينار وغياب الاجراءات الاقتصادية والجبائية القادرة على تحسين العرض للمنتوج الوطني وليس عن طريق التوريد، ستؤدي الى مزيد تدهور المقدرة الشرائية للمواطن بما يجعله مهددا بفقدان سيارته او مسكنه باعتبار ارتفاع حجم الاقتطاع الشهري الذي بتقدم الزمن يجعله غير قادر على تسديد متخلّداته الشهرية تجاه البنك الذي سيستولي عاجلا أم آجلا على السيارة والبيت لضمان امواله. حصول مثل هذا السيناريو تؤكده كل المؤشرات في ظل خضوع البنك المركزي لتوجيهات صندوق النقد الدولي الرامية الى الترفيع للمرة الثانية في ظرف ستة أشهر لسعر الفائدة الرئيسية لنتساءل عن جدوى تغيير محافظ البنك المركزي الذي لا تخفى عنه تداعيات مثل هذا الاجراء على حياة المواطن التونسي الذي اصبح مرتهنا للبنوك من خلال قروض تمتد بين 7 و15 سنة وهي قروض توظف عليها نسب فائدة متغيرة اي تتغير بتغير نسبة الفائدة بالسوق النقدية كما نتساءل عن جدوى تغيير محافظ البنك المركزي في ظل الالتزام بسياسات تتناقض مع استحقاقات المرحلة والتي تتطلب اتخاذ اجراءات ذات طبيعة اقتصادية وجبائية تحفّز الانتاج المحلي وتحدّ من التوريد بما يحدّ من توريد التضخم واجراءات ذات طبيعة نقدية ولكنها تذهب في الاتجاه المعاكس لسياسة صندوق النقد الدولي بمعنى العمل على التخفيض في سعر الفائدة المديرية مع الاقرار بتوجيه التمويل البنكي نحو القطاعات المنتجة واعتماد حصة معينة لقروض الاستهلاك على ان تتحمل السلطة التنفيذية مسؤوليتها كاملة في التحكم في الاسعار والضغط على التضخم بالتعاون مع السلطة النقدية طبعا.

… جنات بن عبدالله صحفية متخصصة في القضايا الاقتصادية

 

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة