Accueilالاولىفتح السوق العقارية أمام الأجانب: خطأ فادح في سياق الاصلاحات الكبرى

فتح السوق العقارية أمام الأجانب: خطأ فادح في سياق الاصلاحات الكبرى

كشفت الدورة الرابعة لليوم الوطني للبعث العقاري التي انتظمت يوم 10 ماي الجاري عن الصعوبات التي يمر بها القطاع والتي تفاقمت منذ جانفي 2018 بعد توظيف الأداء على القيمة المضافة بنسبة ٪13 على المساكن بمقتضى قانون المالية لسنة 2018 انجر عنه عدم تسجيل عمليات بيع العقارات في ظل ارتفاع مديونية الباعثين العقاريين لدى البنوك وتعاملهم للارتفاع المستمر لنسبة الفائدة.

كما كشفت هذه الدورة من خلال المقترحات التي تقدم بها المشاركون من مهنيين ورجال قانون عن الاسلوب الذي تتبعه حكومة الشاهد على غرار الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لتمرير قرارات واجراءات «موجعة» تشكل تهديدا لسيادتنا الوطنية وتفتح المجال أمام المستثمر الاجنبي للتمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والمالية التي يتمتع بها المستثمر التونسي.

ولئن انخرطت بلادنا في مسار تحرير المبادلات التجارية وتحرير الاستثمار بمقتضى انضمامها للمنظمة العالمية للتجارة وابرامها لاتفاقيات تبادل حر سابقة مع الاتحاد الاوروبي ودول أخرى قبل الثورة، فهذا لا يبرر ما أقدمت عليه حكومة الشاهد فيما يتعلق بمشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق وانخراطها في مفاوضات مع الاتحاد الاوروبي في غياب تفويض من مجلس نواب الشعب وفي غياب حوار وطني حقيقي حول محاور التفاوض وتداعيات تحرير قطاعي الفلاحة والخدمات والاستثمار على الاقتصاد الوطني وقرارنا السيادي، والعمل على الاستفراد بأنشطة معينة على غرار قطاع البعث العقاري وقبله قطاعا التربية والتعليم العالي لتقديم اجراءات في صيغة حلول منقذة، في حين انها تندرج ضمن سياق مقتضيات مشروع «الأليكا» وتوصيات صندوق النقد الدولي المتناغمة مع بنود مشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي.

ففي ظل تعطل مسار المفاوضات متعددة الاطراف في مستوى المنظمة العالمية للتجارة خاصة في مجالات استراتيجية وحساسة مثل القطاع الفلاحي وقطاع الخدمات والاستثمار، لجأت الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الامريكية وتكتلات اقتصادية مثل الاتحاد الاوروبي الى المسار الثنائي لإبرام اتفاقيات تبادل حر في هذه المجالات مع دول منفردة وخاصة الدول النامية حيث يسهل الضغط عليها واغراؤها بوعود واهية لتسريع المفاوضات وفتح أسواق الدول النامية أمام الشركات العالمية لاستغلال ونهب ثرواتها بمقتضى اتفاقيات دولية جاءت على مقاس متطلبات هذه الدول وشركاتها العابرة للقارات.

ففي ظل عدم التكافؤ بين الطرفين، تعمد الدول الكبرى والتكتلات الاقتصادية مثل الاتحاد الاوروبي الى اتباع ممارسات تقوم على الوعود والضغط في ذات الوقت لتحقيق اهدافها بفضل حكومات تعهدت بابرام اتفاقيات تبادل حر رغم الرفض الشعبي ومقاومة بعض المنظمات المهنية والنقابية الوطنية عبر اتباع سياسة المراوغة والمغالطة كما هو الشأن مع حكومة الشاهد التي تعهدت بالتوقيع على مشروع «الأليكا» والتمهيد لادخاله حيز التنفيذ من خلال قوانين واجراءات تقدمها في شكل حلول لمشاكل يعاني منها النشاط الاقتصادي على غرار تطبيق الفصل 5 من قانون الاستثمار الذي يسمح بملكية المستثمرين الاجانب في تونس الذي وجد رفضا في مجلس نواب الشعب من قبل عدد من النواب عند تمرير مشروع قانون الاستثمار.

واليوم يخرج وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية في الدورة الرابعة لليوم الوطني للبعث العقاري للتسويق لهذا الفصل الخامس كمخرج لكل صعوبات قطاع البعث العقاري ومنقذ للباعثين العقاريين من حالة الكساد باعتباره يسمح للمستثمرين الاجانب بشراء مساكن بالعملة الصعبة عند بعثهم لمشاريع استثمارية ببلادنا، وشراء العقارات الفلاحية.

وفي الوقت الذي تحدث فيه المهنيون عن الأسباب الحقيقية لأزمة القطاع جاء موقف الحكومة بعيدا عن طرح المهنيين للحديث عن قرارات «جريئة» اتخذتها ومنها توطين الليبيين ومنح الاجانب حق امتلاك مسكن وحذف ترخيص الوالي لتسجيل الاملاك بالسجل العقاري.

الموقف الحكومي تجندت للتسويق له بعض الأطراف في المجال القانوني للدعوة الى فتح السوق العقارية في تونس أمام الاجانب على غرار ما أقدمت عليه بعض البلدان مثل اسبانيا والبرتغال كأفضل الحلول لإخراج القطاع من أزمته.

المقاربة التي تتبعها حكومة الشاهد لدعم قطاع البعث العقاري والرامية الى فتح المجال أمام الاجانب لشراء المساكن، تخفي حقائق خطيرة بخصوص المنهجية التي تبنتها لتمرير الاصلاحات «الموجعة» التي تعهدت بها تجاه صندوق النقد الدولي في اطار برنامج الاصلاحات الكبرى من جهة والاتحاد الاوروبي في اطار مشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق الذي يشمل تحرير قطاع الخدمات من جهة أخرى.

فهذه المنهجية تقوم على افتعال الأزمة وتضييق الخناق على النشاط الاقتصادي أو المؤسسة العمومية والعمل على الدفع نحو طريق وحيدة هي تحرير الاستثمار في النشاط الاقتصادي أو فتح المؤسسة أمام القطاع الخاص.

ان ما يعانيه قطاع البعث العقاري في تونس يبقى مرتبطا بالوضع الاقتصادي العام، الا ان خيارات حكومة الشاهد في المجالات الاقتصادية والجبائية والنقدية ساهمت في تعميقها وفي انسداد الأفق امام حلول تدعم الاستثمار الوطني من جهة وتمنح المواطن التونسي أحقية امتلاك مسكن من جهة أخرى.

ففي المجال الاقتصادي تعهدت حكومة الشاهد تجاه الاتحاد الاوروبي بالتوقيع على مشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق «الأليكا» الذي يرمي الى تحرير قطاع الخدمات دون الرجوع الى مجلس نواب الشعب والمنظمات المهنية والنقابية بما يكشف عن وجود خارطة طريق جاهزة وأجندا مكتملة تعمل على تنفيذها بقطع النظر عن خصوصية القطاع أو المرحلة أو طبيعة الانعكاسات المحتملة أو موقف الاطراف المعنية من التحرير.

فعوض اتباع الشفافية لطرح تحرير قطاع البعث العقاري المصنف ضمن خدمات التشييد والخدمات الهندسية بالاتفاق العام لتجارة الخدمات للمنظمة العالمية للتجارة والذي يستند اليه مشروع «الأليكا» في باب تحرير قطاع الخدمات، وباعتبار ما يمكن ان تواجهه الحكومة من رفض وتصد من قبل المهنيين عند الحديث المباشر عن تحرير قطاع البعث العقاري، وبعد تضييق الخناق عليه بفضل اجراءات جبائية ونقدية مدمرة، عملت الحكومة على التسريب لجرعة التحرير في صبغة حل منقذ للقطاع يتمثل في تطبيق الفصل الخامس من قانون الاستثمار ومنح الاجانب وخاصة الجزائريين والليبيين حق امتلاك مسكن وشراء العقارات الفلاحية في حين ان الجزائريين والليبيين يتمتعون بهذا الحق في اطار اتفاقيات الاستيطان الثنائية التي تعود الى ستينات القرن الماضي والتي تهم أيضا الفرنسيين، الا أنه تم الاستشهاد بهما من باب «ذر الرماد على الأعين».

ان ما نخشاه هو وقوع المهنيين في فخ هذه المقاربة والقبول بمثل هذه الحلول في حين ان الحلول الحقيقية تكمن في الأسباب الحقيقية للأزمة والتي تقف وراءها حكومة الشاهد والتي يمكن اختزالها في باب الاصلاحات الجبائية من خلال اقرار الأداء على القيمة المضافة على البعث العقاري بنسبة ٪13، والبنك المركزي في باب مقاومة التضخم من خلال الترفيع في نسبة الفائدة المديرية، وهي اجراءات تندرج ضمن شروط صندوق النقد الدولي.

ان الفخ الذي تعمل الحكومة على ايقاع قطاع البعث العقاري فيه هو نفس الفخ الذي تعمل على استدراج المؤسسات العمومية اليه من خلال افتعال الأزمات وتضييق الخناق عليه من خلال اجراءات تقرها في اطار اصلاحات كبرى بينما هي اصلاحات مدمرة وفي مقدمة هذه الاصلاحات القانون الأساسي الجديد للبنك المركزي الذي يقف وراء مزيد تدهور وضعية المالية العمومية وتدهور القطاعات الاقتصادية وتدهور المقدرة الشرائية.

*** جنات بن عبدالله

 

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة