Accueilالاولىرسالة إلى السيد رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيد

رسالة إلى السيد رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيد

سيدي الرئيس،

في هذه الظروف السياسية الحساسة التي تمر بها بلادنا، ثمّة ممارسات انتقامية مُبيّتة تمارسُها أطراف سياسية بعينها قصد إرباك السّلم الاجتماعي في بلادنا, مستهدفة الحلقة الأضعف في المجتمع التونسي ونعني هنا طبقة المثقفين والكتاب والإعلاميين والجامعيين والفنانين، وذلك بالتضييق عليهم وشيطنتهم والتنكيل بهم ظلما من خلال تُهمٍ كيديّةٍ فتحت أمامهم أبواب السّجون, وأقامت لضمائر الكلمة الحرّة في الثقافة والإعلام مناخًا من الخوف والرّقابة خلناهُ قد ولى دون رجعةٍ .ممارساتٌ انتقامية تستهدفُ النّخب الفكرية و الإعلامية وتحرّضُ على تكميم الأفواه ومصادرة الرأي الحر وحرية التفكير والتعبير والضمير. ممارساتٌ تسعى لهدم أهم مكسب حققته ثورة 17 ديسمبر /14 جانفي ألا وهو الحرية ولا شيء غير الحريّة في إبداء الرأي وممارسة النقد وإعمال العقل.

سيدي الرئيس،

نتوجه إليكم بهذه الرسالة بوصفكم رئيس جميع التونسيين بكل أطيافهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية، وبوصفكم مرجعا اعتباريا أعلى للسلطة في البلاد قصد التدخل لحماية هذه الطبقة الهشّة المجرّدة من كل سلاح غير سلاح الرأي والفكر والنقد والإبداع، هذه الطبقة المستهدفة طوال عشر سنوات مرّت على تونس باسم ذرائع شتى لعل أهمّها المسّ بالمقدّس. هذا المقدّس المُتلوّن في ارتجاليات التأويل تارة باسم المسّ من قداسة الدّين وتارة باسم المسّ من الأخلاق وطورا آخر باسم المسّ من هيبة القضاء، حتى باتت بلادنا ضيّقة على القلوب والعقول والمهج والضمائر الحيّة، بل تحوّلت بلادنا إلى سجن كبير تعلو جدرانه الشائكة كل يوم لتحجب نور الشّمس، والحال أنه كان من المفروض أن تكون تونس نموذجا ومرجعا للحريّة يستظل بها كل منزوعي الأصوات والأظافر.

سيدي الرئيس،

الكاتب التونسي توفيق بن بريك- وهو واحد من أبرز الأسماء التي قارعت بأقلامها وأصواتها الحرة نظام الاستبداد وبذلت من أجل ذلك الغالي والنفيس في سبيل الحرية، حرية الشعب التونسي وكرامته – يزج به اليوم في السّجن بناء على تهمة كيدية تتمثل في تطاوله على السلط القضائية و الحال أن توفيق بن بريك مارس حقه كضمير حيّ في هذا النقد و الإحتجاج .بل لعل ممارسة انتقاد القضاء من حق كل فرد في نظام ديموقراطي, خاصة و أنه قد تبين طوال هذه السنوات العشر  أن القضاء التونسي لا يزال قابعا في دوائر الانحياز و اللا موضوعية في اصدار الأحكام و مُرتهنٌ كما لا يخفى على أحد لسلطة المتنفذين في السياسة والمال و الزبونية الذين يؤثرون مصالحهم الخاصة على مصلحة الوطن و الشعب. وهو ذات القضاء الذي سمح للبعض من الإفلات من العقاب وغض الطرف على أفعال العابثين بمصلحة البلاد الذين لا يؤمنون لا بالدولة ولا بالحدود وتساهل مع المتورطين في قضايا الإرهاب والتهريب ومعاداة الدولة جهارا نهارا … هذا القضاء التونسي الذي لم يعد محل ثقة لدى المواطنين التونسيين المؤمنين بدولة القانون… القانون في فوق الجميع.

سيدي الرئيس،

توفيق بن بريك كاتب و إعلامي تونسي ساخر و لاذع, و هو رمزيا ” ضد السلطة ” دائما مهما كانت طبيعة هذه السلطة, ويعد حق تواجده علامة صحية مضيئة في مجتمع ديموقراطي، دوره التفكير النقدي والاحتجاجي بصوت عال، ودوره التعبير عمن لا صوت له و بأسلوبه الذي أختاره منذ سنوات نظام الاستبداد, و أمثالُه في المجتمعات الديموقراطية ضروري وجودهم , بل أنهم جهاز مناعة لصناعة الرأي العام حتى لا تتغول جهة رأي على جهة أخرى, و من واجبكم سيادة الرئيس حماية هذا الاختلاف و رعاية أصحاب الرأي و الذود عنهم ضد هذه الطغيانية المتنامية التي تستهدف المثقفين وأصحاب الرأي الحر بطريقة مقصودة ومُمنهجة.

سيدي الرئيس،

إن الحكم على الكاتب توفيق بن بريك حكم قاس وكيدي، وهو مُعرّضٌ الآن للموت في أي لحظة بسبب مرضه الذي يحتاج رعاية ولا يحتمل حبسا. و أعلمك سيدي الرئيس أن الكاتب توفيق بن بريك يعاني من مرض متلازمة الكوشينغ  Syndrome de Cushing و هو مرض كما تعلمون ,هرموني يحتاج عناية خاصة و يُعرّض صاحبه لخطر الموت بسبب تدهور جهاز المناعة عند صاحبه خاصة و نحن نمر  بمرحلة صحيّة حرجة بسبب جائحة كورونا . وحالة بن بريك الصحية هذه تستوجبُ سيدي الرئيس تدخُلكم العاجل لإطلاق سراحه، حتى لا يتعرض لا سمح الله إلى الموت في السّجن فتحل الكارثة.

سيدي الرئيس،

إن الحكم على الكاتب توفيق بن بريك والزّج به في السّجن بهذه الطريقة المُهينة دون تدخلكم لوضع حد لهذه الكوميديا السّوداء سيفتح الباب واسعا لاستهداف الضمائر الحيّة في هذا البلد … إن الحكم على الكاتب توفيق بن بريك والزجّ به في السّجن سيفتح الباب واسعا لمحاكم التفتيش الجديدة التي ستؤول الآراء والأفكار وستضع في دائرة الاتهام كل ممارسة للنقد وكل اعمال العقل وهي ذات المحاكم “الطهرانية “التي تُوظف اليوم لخدمة مصالح من يعتقدون أنهم وحدهم من يمتلكون الحقيقة المطلقة.

عبد الحليم المسعودي

كاتب وجامعي  

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة