Accueilالاولىعماد بن حليمة يكتب عن لعبة الحصانة في تونس

عماد بن حليمة يكتب عن لعبة الحصانة في تونس

كثر الحديث هذه الايام عن الحصانة البرلمانية في علاقة بالصفقات السياسية داخل قبة باردو وخارجها و وجهت اتهامات خطيرة لرئيس مجلس النواب تتمثل اساسا في تعمده اخفاء مطالب رفع الحصانة عن جانب مهم من النواب و الحيلولة دون النظر فيها بعد اعتماد الاجراءات المقررة صلب النظام الداخلي للمجلس بغاية كسب ودهم و ثقتهم حتى لا يقع سحب الثقة منه مقابل حمايتهم.الحقيقة موضوع الحصانة البرلمانية في تونس على غاية من الاهمية في برلمان يضم الى جانب الارهابيين عددا مهما من الفاسدين و المهربين و المارقين عن القانون بصورة عامة يصل عددهم الى ربع العدد الجملي للمجلس.جاء بالفصل 68 من الدستورانه لا يمكن اجراء اي تتبع قضائي مدني او جزائي ضد عضو بمجلس نواب الشعب او ايقافه او محاكمته لاجل اراء او اقتراحات يبديها او اعمال يقوم بها في ارتباط بمهامه النيابية.اول ما نلاحظه في هذا النص هو كونه يتعلق فقط بالجرائم التي قد يرتكبها النائب عند القيام بمهامه النيابية كان ينقد وزيرا او قاضيا او اي جهة ادارية اخرى او يوجه لها اتهامات بارتكاب جرائم و يكون ذلك داخل في خانة الرقابة النيابية على اعمال الحكومة و هذا ما اسميته ب ” النائب المجرم ” و لا افوت الفرصة على نفسي لاقف عند رداءة صياغة هذا النص و انبناءه على اطناب ركيك باستعمال عبارات عدم جواز التتبع و الايقاف و المحاكمة لان عدم جواز التتبع سيؤدي بطبيعته الى استحالة الايقاف او المحاكمة.خلافا للراي الذي يربط بين الفصل 68 المشار اليه و الفصل الذي يليه و يقول بضرورة حصر الحصانة في الجرائم ذات العلاقة بالنشاط النيابي فان الفصل 69 من الدستور يهم وضعا اخر وهو ارتكاب جرائم لا علاقة لها بالنشاط النيابي اثناء الفترة النيابية و هذا ما اسميته ب ” المجرم النائب “.لم يفوت المؤسسون على انفسهم فرصة تحصين مواقعهم من الجرائم القصدية التي قد يرتكبونها في كامل الفترة النيابية مثل الفساد المالي و الارهاب و الاغتصاب و الزنا و التدليس و التهريب و التحيل و غيرها و قد سنوا الفصل 69 من الدستور الذي جاء به انه اذا اعتصم النائب بالحصانة الجزائية كتابة فانه لا يمكن تتبعه او ايقافه طيلة مدة نيابته في تهمة جزائية ما لم ترفع عنه الحصانة.واضح اذا انه بخلاف الحصانة الواردة بالفصل 68 التي تهم الدعاوى المدنية و الجزائية معا و تحول دون التتبع اطلاقا سواءا اثناء الفترة النيابية او حتى بعد فقدان الصفة من اجل الافعال ذات العلاقة بمهام النائب و لا يجوز التخلي عنها اي ان الحصانة لا تعد مانعا قانونيا للتتبع على معنى احكام الفصل 5 من مجلة الاجراءات الجزائية فان الحصانة المقررة بالفصل 69 تهم التتبع الجزائي دون المدني و يجوز التمسك بها او التخلي عنها و تفعيل الحصانة يعلق التتبع و اجال التقادم و تستانف التتبعات بعد ان يفقد النائب صفته تلك.لابد من التفرقة في هذا المجال بين وضعيتين اثنين وهي حالة النائب الذي يقع التفطن لارتكابه الجريمة بصورة غير فورية و هذا يحول دون تتبعه اذا تمسك بالحصانة و بين ان يضبط متلبسا بالجريمة على معنى احكام الفصل 33 من مجلة الاجراءات الجزائية اي بصدد تنفيذ الركن المادي للجريمة كتحضير الاحزمة الناسفة او تفجير مكان او قتل شخص او غيره او تقع مطاردته من الناس مباشرة بعد ارتكاب الجريمة.في الحالة التلبسية يتيح الفصل 69 من الدستور امكانية التتبع و الايقاف لكن الغريب في الامر ان مكتب مجلس يمكن ان ياذن بالافراج عنه و قد تضمن الفصل المذكور العبارات التالية: ” اما في حالة التلبس بالجريمة فانه يمكن ايقافه و يعلم رئيس المجلس حالا على ان ينتهي الايقاف اذا طلب مكتب المجلس ذلك “.مرة اخرى نعاين سوء الصياغة فما المقصود بعبارة ” ” ينتهي الايقاف ” فهل ذلك يعني مواصلة تتبع النائب وهو بحالة سراح ام تعليق اجراءات التتبع !!فضلا عن ذلك فباي حق يتدخل مكتب المجلس في العمل القضائي و يقرر في مجال سلطة اخرى و هذا امر مخالف لما نص عليه الفصل 102 من الدستور من ان القضاء سلطة مستقلة. يبدو ان واضعي الدستور لم يفكروا الا في حماية و تحصين انفسهم مهما كانت ضراوة الجرائم ثم باي منطق ينهي مكتب المجلس الايقاف في كل الحالات حتى و ان تعلق الامر بالقتل و نهب المليارات و الاغتصاب و غيره !!!الى جانب الاحكام المقررة بالدستور خصص النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب في بابه الرابع_ الفصول من 28الى 33 – للحديث عن شروط و اجراءات رفع الحصانة.جاء بالفصل 28 ما يلي :” يتمتع عضو مجلس نواب الشعب بالحصانة طبقا لاحكام الفصل 68 من الدستور و يمكن للنائب عدم الاعتصام بالحصانة ” .مرة اخرى نتوقف عند النقص والغباء في الصياغة ضرورة انه لم تقع الاشارة للحصانة المقررة بالفصل 69 من الدستور ثم ان عدم الاعتصام بالحصانة لا يهم الا الفصل المذكور اخيرا لانه كما اسلفنا البيان ففي اطار الحصانة المقررة بالفصل 68 لا يجوز التتبع مطلقا و لم يتضمن النص قيدا او استثناءا وهو نفس الحكم المقرر لحصانة رئيس الجمهورية الذي لا يمكنه التنازل عنها لكنها تعتبر مانعا قانونيا مؤقتا تعلق التقادم اذا تعلق الامر بسلوك من غير مجال اختصاصه.جاء بالفصل 29 من النظام الداخلي ما يلي :” يتم النظر في رفع الحصانة على اساس الطلب المقدم من السلطة القضائية مرفقا بملف القضية الى رئيس مجلس نواب الشعب “.اولا وقبل كل شيء هذا النص يعتريه نقص في الصياغة لانه في بعض الجرائم لا يصدر التتبع عن النيابة العمومية التي تملك مبدئيا حق اثارة الدعوى العمومية و تتبع المجرمين وانما خص القانون صورا معينة تملك فيها الادارة حق التتبع مثل الجرائم القمرقية و الصرفية و الجبائية و غيرها و بالتالي كان على واضعي النص استعمال عبارات” النيابة العمومية او الجهات القضائية المتعهدة او الادارات التي خول لها القانون حق التتبع “.ثانيا هذا النص مخالف للدستور الذي تحدث عن عدم امكانية التتبع فقط بما يعني عدم تحريك الدعوى العمومية بعد اكتساب الشخص لصفة النائب وهو عساه يقصي فرضية تمتيع عضو مجلس نواب الشعب بالحصانة بخصوص تتبعات جارية او احكام صادرة قبل اكتساب صفة النائب فعبارة السلطة القضائية تشمل قضاء التحقيق و قضاء الحكم بمختلف درجاته و لا يمكن الحديث عن مطالب رفع حصانة صادرة عن قاضي تحقيق او دائرة اتهام الا في صورة واحدة وهي السعي في توجيه الاتهام لنائب في قضية في طور الاستقراء بدرجتيه سبق فتحها و يشمل التتبع فيها غيره ممن ليس لديهم حصانة و عليه فان التتبعات الجزائية المتعلقة بالشخص الذي اكتسب صفة النائب لاحقا و مهما كانت الدرجة التي وصلت لها تبقى خارج دائرة الحصانة و السبب الرئيسي في هذا الاشكال الذي نناقشه هو النقص المتعمد في احكام القانون الانتخابي الذي لم يضع من بين شروط الترشح لعضوية مجلس النواب ان لا يكون للمترشح سوابق عدلية او تتبعات جزائية جارية و لو انه متمتعا بقرينة البراءة لكن من باب دفع الشبهة الجائزة كان لا بد من التضييق في هذا المجال.هذا الالتفاف على الصياغة سمح لبعض النواب الملاحقين في قضايا خطيرة و الصادرة في شان البعض منهم احكام جنائية البعض منها نهائي الدرجةالالتحاق بمجلس نواب الشعب.عندما يرد مطلب رفع الحصانة على رئيس مجلس النواب يحيله _ دون التقيد باجل _ على لجنة النظام الداخلي و الحصانة و القوانين البرلمانية و القوانين الانتخابية التي تنظر في الملف و تستدعي المعني بالامر وتستمع اليه و تعد تقريرا في الموضوع و في اجل اسبوعين تحيله لمكتب المجلس الذي يحيل اليا الملف على الجلسة العامة للتصويت على مطلب رفع الحصانة باغلبية الحاضرين و في جلسة سرية.بالنهاية تجدر الاشارة الى ان طريقة تنظيم مسالة الحصانة في الدستور تطرح اكثر من تساؤل هام و قررت لها احكاما لحماية المجرمين من التتبع و من العقاب اضافة الى ان الاحكام الواردة بالنظام الداخلي للمجلس مبنية على العبثية و مخالفة في عدة مواقع للدستور و هذا النظام الداخلي يخضع وجوبا لرقابة المحكمة الدستورية التي هي الى اليوم في حكم المفقود و بالتالي فان حجيته و شرعيته ضعيفة و هذا العبث هو الذي سمح بما نعاينه اليوم من فوضى داخل المجلس و منها اقدام راشد الغنوشي على التلاعب بالاجراءات و تقديم رشاوى سياسية للمنحرفين حتى يشكلوا حزاما داعما له يحول دون سحب الثقة منه.

الاستاذ عماد بن حليمة 28 ماي 2021

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة