Accueilالاولىمنظمة الأزمات الدولية : تونس تواجه مخاطر أزمة مالية ومصرفية

منظمة الأزمات الدولية : تونس تواجه مخاطر أزمة مالية ومصرفية

جاء في تقرير لمنظمة الأزمات الدولية أن الخزينة في تونس تستطيع بالكاد تغطية الرواتب المستحقة للعاملين في القطاع العمومي ..وان ذلك يحول دون امكانية الايفاء بالتزامات سداد القروض الخارجية وسط ارتفاع الدين العام ..وهو مؤشر على خطر حدوث ازمة مالية ومصرفية خطيرة في المستقبل قد تؤدي الى انخفاض مستويات المعيشة للعديد من التونسيين “

وجاء في التقرير ان الحراك الثوريّ على وعي عفوي بجوهر الديمقراطيّة الاجتماعية. وإن كانت الفئات الشعبية لا تعرف المفهوم في جوهره السياسي؛ فإنّها عبّرت عنه بجملة شعارات واضحة ومن خلال تحرّكات ميدانيّة حول تجذير الأهداف الرئيسّة للثورة: شغل، حرية، كرامة وطنيّة. الرهان لم يتحقّق بسقوط المنظومة السابقة – العهد الديكتاتوري – حيث واصل التونسيوّن تحرّكاتهم بعد الثورة بصفة متواترة. قوبلت هذه التحرّكات بردود فعل قمعيّة من السلطة مثل أحداث الرش بسليانة، وفي أحايين بصورة سلميّة وأخرى بمضامين متفاوتة.

 فعل التغيير الذي لمسه السّاسة كتكوين الأحزاب، والنشاط السياسي العلني لم يمسّ المواطن العادي في شيء. بالعكس، من ذلك حمل المواطن ثقل مشاكل أخرى مثل الفشل السياسي، وغياب القانون، وتواتر الإرهاب. الطبقة السياسيّة جعلت من الراهن الشعبي واجهة انتخابية للوصول إلى البرلمان. نسق مختلّ للعمليّة السياسيّة – طيلة أكثر من عشر سنوات – خلّف مؤشّرات مفزعة في مرحلة حرجة تمرّ بها تونس.

بلغت الصادرات 4081.7 والواردات 5638.1 مليون دينار وبلغ بذلك عجز الميزان التجاري 1556.3 مليون دينار في أكتوبر2021. حسب آخر الأرقام لشهر نوفمبر 2021 سجّلت نسبة التضخّم فيما خص الاستهلاك العائلي ارتفاعا بلغ مستوى 6,4 في المئة ويرجع ذلك الى تطور وتيرة ارتفاع أسعار مجموعة مواد وخدمات النقل (من 4,9 في المئة الى 5,4 في المئة) وكذلك بالنسبة إلى أسعار مواد وخدمات التعليم (من 7,8 في المئة الى 9,1 في المئة) إلى جانب ذلك، شهد النموّ نسقا سلبيّا ب 0,3 خلال الربع الثالث من سنة 2021. فقد ارتفعت نسب البطالة في ظلّ غياب سياسة اقتصادية وتنموية واضحة، ووصلت في الربع الثالث من سنة 2021 إلى 18,4 في المئة. وعلى أساس الجنس بلغ معدّل البطالة لدى الذكور 15.9 في المئة في الربع الثالث لعام2021، بينما بلغت النسبة لدى الإناث 24.1 في المئة إلى جانب ذلك جاءت التوقّعات الأخيرة للحكومة التونسيّون بأن يبلغ العجز في ميزانيّة الدولة لعام 2021 حوالي 9.79 مليارات دينار (3.42 مليار دولار) وفقا للقانون التكميلي للموازنة⁵، بعد أن كانت التوقّعات تشير في قانون المالية الأصلي لسنة ⁶2021 لقيمة 7.094 مليارات دينار (2.48 مليار دولار).

 توقعات وأرقام تأتي في سياق ضبابي، مرشّح لمزيد التداعي والغموض، خاصّة في ظلّ فشل المنظومة السياسيّة، وافتقار المجال لبناء برامجي عملي يرسّخ إستراتيجيّة وهيكليّة اقتصادية ناجعة، تساهم في حلحلة حالة الركود والانكماش، وتدفع مختلف مجالات الاستثمار. وجدت الحكومات المتعاقبة في القروض والتداين الخارجي حلّا؛ إلا أنّ سوء التصرّف وغياب النجاعة، إضافة إلى تنامي الفساد. كان هذا هو جوهر ما ذكرته عديد التقارير الدولية حول المتحكمين في الاقتصاد التونسي. أصبحت الديون مجرّد ثقل أنهك وينهك الدولة التونسية بدون وجه توظيف واضح.

معطيات اقتصادية واجتماعية

وفقًا للمؤسسات المالية الدولية بلغ معدل الدين التونسي حوالي 100في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021. في حين لم يتجاوز 40 في المئة في سنة 2011. للإيفاء بالتزاماتها المالية تعاقدت تونس على ديون جديدة. أشارت مصادر إلى أن نحو ثلاثة أرباع الدين التونسي هو عبارة عن ديون خارجية، نصف الدائنين هي مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، بنك التنمية الأفريقي، أو مؤسسات ملحقة بالدول الشريكة مثل بنك إعادة الإعمار والتنمية الألماني (KFW)، تليها قروض من الأسواق المالية وتتبعها قروض مباشرة بين الدول.

تكشف هذه المؤشّرات مدى التخبط في التعامل مع المعطيين الاقتصادي والاجتماعي من قبل الفاعلين السياسيّين بعد الثورة التونسيّة. زادت نسب الفقر في المجتمع التونسي، التي تعززت بفعل جائحة كورونا، فقد كانت نسبة الفقر المدقع 2.9 في المئة، ووصلت إلى 6.9 في المئة خلال العام الجاري، بينما بلغت نسبة الفقر متعدد الأبعاد 20.2 في المئة من 16.7في المئة قبل الجائحة⁸. كورونا كشفت أيضا اهتراء المنظومة الصحيّة بجميع أبعادها من بنية تحتية، ووسائل العلاج، ونقص الأدوية. وعانى التونسيّون في مراحل الصراع مع الجائحة مشاكل عدّة؛ مثل غياب آلات الأوكسجين ونقص الأطر الطبية خاصة في المناطق خارج العاصمة.

خلق هذا ظواهر عديدة في المجتمع التونسي؛ أهمّها الهجرة غير النظاميّة أو ما يعرف في تونس ب«الحرقة». في تقرير بخصوص الهجرة غير النظامية، أكّد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية⁹ وصول 1470 مھاجرا تونسيا إلى السواحل الإيطالية، في أكتوبر 2021؛ ليبلغ بذلك عدد الواصلين منذ بداية العام 14308 مھاجرا تونسيا، ما يمثل27 في المئة من جملة الواصلين إلى إیطالیا بزيادة تقدّر ب27.6 في المئة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2020. وأحبطت السلطات التونسيّة خلال أكتوبر 2021 نحو 263 عملية اجتياز، أي بزيادة تقدر ب67.5 في المئة خلال شهر أكتوبر2020 كما منعت 2739 مھاجرا من الوصول إلى السواحل الإيطالية. هذا یرفع عدد المهاجرين الذين تمّ منعهم منذ بداية العام إلى 22147 مهاجرا. والأهمّ هو تزايد عدد المهاجرين من القُصّر والعائلات، الأمر الذي شكّل تحوّلا يدلّ على حجم الانهيار الذي بلغه المجتمع التونسي بمستوياته التعليميّة والاجتماعية. شهدت الهجرة غير النظاميّة أعلى ذروة لها في 2011 حين تجاوز عدد المهاجرين غير النظاميين 26 ألف مهاجر، وبلغت ثاني أعلى ذروة للهجرة 13 ألف مهاجر في 2020.

ظاهرة أخرى برزت في تونس بشكل متنامٍ، وهي الانتحار. شهد شهر أيلول/ سبتمبر ¹¹2021 تسجيل 15 حالة ومحاولة انتحار، أي بمعدّل حالة أو محاولة انتحار كل يومين. وشكّلت أنواع الانتحار بتنوّعها دليلا على حالة العنف واليأس، وتصدّرت حالات ومحاولات الانتحار حرقا قائمة أبرز طرق محاولات الانتحار بـ 33.3 في المئة، تليها عمليّة إلقاء النفس من أماكن مرتفعة بـ 26.7 في المئة، ثم تناول المواد السّامة بـ 20 في المئة، ومحاولات الشنق بـ 13.3 في المئة، واستعمال أسلحة بيضاء بـ 6.7 في المئة. ارتكبت 365 حالة انتحار في 2015 و372 حالة في 2014. مثّلت ظاهرة انتحار الأطفال واقعا مؤلما عاشه التونسيّون فقد قفزت عدد حالات أو محاولات الانتحار لدى الأطفال في تونس عام 2015، بأكثر من 400 بالمئة مقارنة بعام 2014، حسب إحصاءات رسمية. ¹²وعدد الإشعارات بحالات ومحاولات الانتحار لدى الأطفال في تونس ارتفع إلى 184 عام 2015، مقابل 40 فقط في السنة التي سبقتها. ¹³

تعيش تونس على وقع مؤشّرات وظواهر مستحدثة مثل الانقطاع المبكّر عن الدراسة الذي أصبح مشكلة كبرى في المنظومة التعليميّة، إضافة إلى تنامي معدّلات العنف في مختلف أوجهه، مع تزايد حالة الإدمان بين الشباب، وتعدّد مصادره.

لئن كان الوضع قبل الثورة يتّسم بغياب الحريات إلّا أنّ المعادلة الاجتماعية والاقتصادية كانت متوازنة عموما في ظلّ مناخ آمن دافع للحراك التنموي ومحافظ على مستوى الحدّ الأدنى للمقدرة الشرائيّة للمواطن، هذا المتوفر تدحرج سلبيّا عبر منشود القوى الثوريّة التي حملت آمالا كبرى، كشفت السنوات الأخيرة فراغها، ليغيب المناخ الآمن وتتضاءل فرص الاستثمار، حيث عانت تونس من الحوادث الإرهابية والانقسام السياسي وغياب برامج اقتصادية حقيقيّة للأحزاب السياسيّة.

يلاحظ مدى اتّساع الهوّة بين لحظة التغيير الجامعة وبين تدخّل الفاعلين السياسيين؛ ليصل الوضع إلى أزمة ثابتة اجتماعيا واقتصاديا وخندق سياسي مضاعف؛ بسبب تفكّك وفشل الأحزاب السياسيّة في حمل رهانات المرحلة، وعبر منظور جديد للرئيس قيس سعيّد برؤية أحاديّة أفقيّة تقوم على تغييب التشريك والحوار تحت عنوان فشل المنظومة الحزبية السابقة في القيام بمهامها ليصل في بعض الأحايين حدّ تخوين الكلّ، وبذلك تدخل تونس مرحلة تحمل مزيدا من التوجّس والغموض عبر تواصل النزاع السياسي في غياب مقاربة حقيقيّة مشتركة تسعى لبناء بديل ديمقراطي اجتماعي ناجع.

حامد محضاوي، ناشط ثقافي وكاتب مقالات رأي في مواقع وصحف تونسيّة وعربيّة، وهو حاصل على الإجازة الأساسية في اللغة والآداب العربيّة.

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة