تونس : البنوك التونسية تتجاهل الشركات الأهلية

0
838

 لاتزال الشركات الأهلية بعيدة عن إرضاء البنوك العمومية، بشكل خاص، لتمنحها تمويلات في وقت تجابه فيه

هذه الشركات الوليدة حاجيات متزايدة للتمويل والمرافقة وتحقق فيه مؤسسات القرض نتائج هامة سنويا.

وتبحث هذه الشركات والتي بلغت 8 شركات، منذ نشر قانون إحداث الشركات الأهلية بمقتضى المرسوم عدد 15 لسنة 2022،

عن أرضية تمويل سواء من الحكومة أو بنوك الدولة في حين تلقى فيه نظيراتها الناشئة اهتماما واسعا سواء من حيث هياكل الدعم

أو خطوط التمويل.

وتسلط وكالة تونس افريقيا للأنباء الضوء في هذا المقال على مسألة إحجام البنوك العمومية، كبنوك منوط بعهدتها دفع المشاريع

الاقتصادية الكبرى في تونس، عن دعم هذه الشركات رغم أنها تستجيب إلى مقتضيات القوانين المتعلقة بحوكمة الشركات

وإلى متطلبات سوق الإقراض في تونس.

 شركة “الصوري” الأهلية انعكاس لمعاناة شركات أخرى
قال نجيب الصوري صاحب شركة أهلية في قفصة متخصصة في تقديم الخدمات الفلاحية وتأمين المنتوج الفلاحي، إن شركته التي تتكون من 5 معامل (علف وخضر وغلال وحليب) تتطلب تمويلات بحوالي 15 مليون دينار إلا أن البنك الوطني الفلاحي رفض حتى تمكينه من فتح حساب باسم الشركة فيما حددت الشركة التونسية للبنك لهم سقفا للتمويل بـ 200 ألف دينار فقط.
وأكد الصوري في تصريح لـ “وات”، أن الراغبين في بعث الشركات الأهلية يعانون من مشكل التمويل الذاتي باعتبارهم في حالة بطالة ومثله أمين حفوظي الذي ينتظر لشركته، المتخصصة في تثمين شوائب الفسفاط، التمويل اللازم لها.
وتطالب الشركات الأهلية بتسهيل النفاذ الى التمويل وانخراط البنوك لاسيما العمومية منها، في مسار دعم الشركات الأهلية التي ستساهم في دفع التنمية الاقتصادية في الجهات، داعين في الآن ذاته الى تبسيط الإجراءات الإدارية.
وتترقب شركات أهلية أخرى في نابل والمهدية إحداث خط التمويل الذي أقره قانون المالية لسنة 2023 وكذلك خط الدعم المخصص للمؤسسات الصغرى والمتوسطة.

قوانين ومبادرات بين الاعلان والتفعيل
نص الفصل 29 من قانون المالية لسنة 2023 على إحداث خط لتمويل الشركات الأهلية الجهوية أو المحلية المنصوص عليها في المرسوم عدد15-2022 المحدِث لها، يخصص لإسناد قروض بشروط تفاضلية وذلك خلال الفترة الممتدة من غرة جانفي إلى 31 ديسمبر 2023.
ووفقا لما ورد في نفس الفصل يخصص اعتماد قيمته 20 مليون دينار على موارد الصندوق الوطني للتشغيل لفائدة هذا الخط ويعهد حسب مقتضيات الفصل 29 من قانون المالية 2023، بالتصرف في خط التمويل إلى البنك التونسي للتضامن بمقتضى اتفاقية تبرم في الغرض مع وزارة المالية والوزارة المكلفة بالتشغيل تضبط شروط وإجراءات التصرف.

 بنوك تحقق نتائج سنوية هامة
لم تخصص البنوك في تونس أي صنف من أصناف التمويل للشركات الأهلية ولم تعلن عن إجراءات خاصة بهذا الصنف المستهدف والواعد على مستوى التشغيل والتنمية في عديد المناطق من البلاد.
وتتصرف البنوك التونسية في 83,2 مليار دينار من القروض حسب القائمات المالية المجمعة لها نهاية 2022 وتحوز البنوك العمومية على 42,9 بالمائة من هذه القروض بما يعادل 35,7 مليار دينار.
ويطرح هذا الوضع عدة تحديات على هذه الشركات التي بلغ عددها 8 شركات مكونه مع وجود 30 شركة أخرى في طور التأسيس، وفق وزارة الشؤون الاجتماعية عددها نهاية جانفي 2022.
وتتمثل هذه التحديات بالأساس في إقصائها من منظومة التمويل المهيكل رغم حضور بنوك الدولة في هذه المنظومة بشكل قوي، من جهة، وفي مجابهتها لإشكالات بيروقراطية تتعلق أساسا بمنظومة التراخيص، من جهة أخرى.

غياب المبررات
يصعب في الواقع إيجاد مبرّرات لعدم إيلاء تمويل الشركات الأهلية، خاصة من طرف بنوك الدولة، الأهمية اللازمة لا سيما أن الفصول 3و4 و5 من المرسوم المحدث لها، توضح أهدافها والتي تتلخص في تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمعتمديات، وفقا للإرادة الجماعية للاهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتها والمساهمة في مسار التنمية المستدامة والحوكمة الرشيدة بالجهة.
وتشدد ذات الفصول على أن الشركات الأهلية تمارس أنشطة اقتصادية وتتمتع بالشخصية القانونية. وما يجعل من هذه الشركات من حيث المبدأ شركات موثوقة لدى البنوك العمومية، توفرها على مجالس إدارة تتكون من 6 أعضاء مع خضوعها للإحاطة المحلية، كما ينص الفصلان 63 و64 من مرسوم إحداثها وجوبا على اعدادها لقائمات مالية وتقارير لمراقبة حساباتها. ولم تشفع كل هذه الضمانات للشركات الأهلية لدى البنوك العمومية لتعاملها مثل غيرها من الشركات خفية الاسم أو ذات المساهمة المحدودة او غيرها من الشركات.
وتفضل البنوك العمومية، على ما يبدو، التعامل بشكل عام مع المجمعات والمؤسسات الكبرى التي تدر عليها ودائع كبرى بلغت نهاية 2022 حوالي 29,5 مليار دينار وذلك استنادا إلى الأرقام التي نشرتها البنوك بهيئة السوق المالية بعنوان آخر ديسمبر 2022.
ومكّن تطور ودائع وقروض البنوك العمومية الممنوحة للشركات والمجموعات الكبرى نهاية العام الماضي البالغين على التوالي نسبة 10,4 و10,1 بالمائة حسب القائمات المالية، من تحقيقها لفوائد صافية قيمتها 1,2 مليار دينار فضلا عن توظيفها لعمولات على الحرفاء بقيمة 384,1 مليون دينار وفوائد على القروض الممنوحة للدولة تناهز 655,1 مليون دينار مما يعني ارتفاعا نسبته 25,1 بالمائة سنة 2022 مقارنة بـ 2021.
ومكن إجمالا تحقيق هذه الفوائض والأرباح، البنوك العمومية من تسجيل ناتج بنكي صافي في 2022 بقيمة 2234,9 مليون دينار بزيادة نسبتها 8 بالمائة مقارنة بـ 2021 .
ومن المؤكد أنه لا يمكن لهذه البنوك العمومية التي تعمل في إطار منطق تعبئة الفوائد والعمولات والفوائض عبر إقراض الدولة، أن تحقق حتى ولو نزرا يسيرا منها عند تعاملها مع الشركات الأهلية التي أحدثت في سياق مغاير للربحية والنفع المحدود للمساهمين .
وربما يشكل احداث هذه الشركات في ظل سياق منطق عام قوامه التوزيع العادل للثروات وتحقيق العدالة الاجتماعية حسب ما نص عليه الفصل الثاني من المرسوم عدد 15- 2022 المحدث لها، أساسا غير متين لدعمها من طرف مؤسسات القرض، لتبقى هذه الشركات بعيدة كل البعد عن منطق اقتصاد الريع ومقتضياته.

المصدر: وات