كيف خسرت ألمانيا الشرق الأوسط بسبب إسرائيل

0
56

سعت ألمانيا إلى التوفيق بين مسؤوليتها التاريخية تجاه إسرائيل وعلاقتها الودية تجاه العالم العربي، وكان لبرلين بصمتها كقوة ناعمة، وكان يُنظر إليها على أنها وسيط نزيه في العلاقات التجارية والاقتصادية.

وكانت المنظمات التي تمولها الحكومة الألمانية، مثل معهد جوته والمؤسسات المرتبطة بالأحزاب السياسية الرئيسة في البلاد، هي الممول الأساسي لمختلف البرامج في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

آراء سلبية

من جهتها، قالت مجلة “فورين بوليسي”، في مقال نشرته أمس الجمعة 24 ماي 2024، إن عملية التوازن هذه تعثرت، منذ 7 أكتوبر، فألمانيا دعمت منذ البداية الهجوم الإسرائيلي على غزة دون أي شرط، رغم أن بعض المسؤولين اتخذوا موقفًا أكثر انتقادًا في الأسابيع الأخيرة، في مقابل دعم متزايد للمقاومة الفلسطينية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

وأضافت أن برلين تواصل توصيف نفسها كأحد أقرب الحلفاء السياسيين والعسكريين لإسرائيل، حتى بعد أكثر من 7 أشهر من القصف الإسرائيلي، ومقتل أكثر من 35 ألف فلسطيني في غزة، ومجاعة تنتشر في القطاع، وأدى هذا الموقف الألماني المتصلب تجاه الحرب إلى تشويه سمعتها في أنحاء الشرق الأوسط.

وأوضحت أن استطلاعًا أجراه المركز العربي بواشنطن عام 2020، وجد أن أغلبية طفيفة من الجمهور العربي لديهم آراء إيجابية بشأن السياسة الخارجية الألمانية، فيما أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد الدوحة في جانفي الماضي، لسكان 16 دولة عربية، أن 75% من المشاركين لديهم رأي سلبي بشأن الموقف الألماني من الحرب بين إسرائيل وحماس.

ذكرت المجلة الأمريكية أنه بعد 5 أيام من أحداث 7 أكتوبر، كشف المستشار الألماني، أولاف شولتز، في خطاب له أمام البوندستاغ اصطفاف ألمانيا إلى جانب إسرائيل في حربها على حماس، وبحلول نوفمبر 2023، زادت صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل بنحو 10 أضعاف، لتصبح ثاني أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل منذ بداية الحرب.

وأضافت أن الشرطة الألمانية قمعت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وتفريقها بالعنف أو حظرها على أساس معاداة السامية، بينما أعربت شخصيات عامة في ألمانيا عن تضامنها مع إسرائيل، فيما حذر الفنانون والمثقفون الذين ينتقدون إسرائيل، بما في ذلك اليهود والعرب، من موجة من الصمت في المجتمع الألماني.

وقد شهد الكثيرون إلغاء الجوائز والتمويل أو إلغاء الفعاليات، ومن بين هؤلاء الكاتبة الفلسطينية، عدنية شبلي، التي ألغى معرض فرانكفورت للكتاب حفل توزيع جوائزها في أكتوبر، وعالم الأنثروبولوجيا اللبناني المصري غسان حاج، الذي طرده معهد ماكس بلانك المرموق في فيفري، متعللًا بأن وجهات نظره على وسائل التواصل الاجتماعي “غير متوافقة” مع قيم المعهد.

تواصلت “فورين بوليسي” مع 9 موظفين حاليين وسابقين في 6 مؤسسات ألمانية تعمل في 5 دول في الشرق الأوسط، وقالوا إن موقف ألمانيا المتشدد إزاء الحرب بين إسرائيل وحماس قد عرّض عملهم مع الشركاء والمجتمعات المحلية للخطر، ما أضر بالثقة والمصداقية التي استغرق تطويرها سنوات أو عقودًا.

وفي الأشهر التي تلت 7 أكتوبر، ركز القادة الألمان اهتمامهم على ضحايا هجوم حماس، ومصير الرهائن في غزة، وتصاعد معاداة السامية، وما اعتبروه تهديدًا وجوديًّا من حماس لأمن إسرائيل، فيما لم تحظ سلامة المدنيين الفلسطينيين وأمنهم باهتمام مماثل، حتى بعد المستويات التاريخية من الموت والدمار في غزة.

وفي أكتوبر الماضي، قالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إن حماس احتجزت قطاع غزة بأكمله كرهائن وكررت مزاعم إسرائيل بأن الحركة المسلحة تستخدم المدنيين دروعًا بشرية، وواصلت ألمانيا رفض الدعوات لوقف إطلاق النار، بزعم أنها ستسمح لحماس بإعادة تسليحها، وامتنعت عن التصويت لوقف فوري لإطلاق النار في غزة.

أداة سياسية

أوضحت المجلة أنه مع ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين في غزة إلى أكثر من 20 ألفًا في جانفي 2024، نفى نائب المستشارة الألمانية، روبرت هابيك، أن إسرائيل تستهدف المدنيين، وبينما قد يعترض البعض على “الإجراءات القاسية” التي يتخذها الجيش الإسرائيلي، كما قال، فإن اتهامات الإبادة الجماعية ضد إسرائيل كاذبة.

ووصفت ألمانيا قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بأنها “أداة سياسية”، وجمدت تمويلها للأونروا بعد أن زعمت إسرائيل أن بعض موظفيها شاركوا في هجوم 7 أكتوبر. إلا أنها أعادت تمويلها بعد أن توصلت مراجعة مستقلة إلى أن إسرائيل لم تقدم أدلة كافية لدعم ادعاءاتها.

أفادت المجلة بأن بعض الشركاء الإقليميين أعلنوا مقاطعتهم ضد ألمانيا، رفضت مجموعة “ملاذ الفنانين” اللبنانية منحة بقيمة 35 ألف دولار من مؤسسة روزا لوكسمبورج التابعة لحزب اليسار الاشتراكي في جانفي ، بعد أن انتقد أحد أعضاء مجلس الإدارة مصر لعدم السماح للفلسطينيين الفارين من غزة بالدخول، والذي وصفته المجموعة اللبنانية بأنه “دعم للتطهير العرقي”.

وأوضحت المجلة أن ألمانيا، مثل الولايات المتحدة، اتخذت لهجة أكثر حزمًا تجاه إسرائيل في الأيام الأخيرة، إذ دعا شولتز وبيربوك إلى وقف دائم لإطلاق النار وزيادة معدلات دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة للتخفيف من خطر المجاعة، وحذرا نتنياهو من ضرورة وقف الغزو الإسرائيلي الشامل المخطط له لرفح.

وقالت إن شولتز، خلال زيارته إلى إسرائيل في منتصف شهر مارس، لم يتحدث عن “قانون الدولة”، بل عن مُعاناة الفلسطينيين واستحالة مكافحة الإرهاب من خلال الوسائل العسكرية وحدها، لافتة إلى أن الميزة الأخلاقية التي تتمتع بها ألمانيا في العديد من القضايا وصورتها كمجتمع ليبرالي، سيكون من الصعب إصلاحها.