في وقت تتلبد فيه سماء تونس بسحب عدم اليقين مما خلف حالة من الحيرة ممزوجة بالخوف لدى عموم التونسيين مما تخفي الأيام القادمة تشرأب الأعناق نحو قصر قرطاج في انتظار تصاعد دخان المبادرة التي طال انتظارها
فالجميع متفقون سلطة ومعارضة بقية الشركاء الدوليين بأنه لا يمكن أن تبقى البلاد في وضعية تحتاج الى بوصلة تعيدها الى الشمال
وهناك من تستهويه فكرة تشبيه ما تعيشه الجمهورية الثانية في تونس بما عاشته الجمهورية الرابعة بفرنسا ولكن هؤلاء نسووا أو تناسوا أن حكومة الجمهورية الرابعة بفرنسا والتي استمرت ما بين 1946 و1958، وخلافا لما تعيشه تونس اليوم شهدت فترةالنمو الاقتصادي العظيم العظيم في فرنسا وأعادت بناء الصناعة والمؤسسات الاجتماعية في البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، ولعبت دوراً بارزاً في تطوير عملية التكامل الأوروبي الذي غيرالقارة بشكل دائم. وكان أعظم إنجازات الجمهورية الرابعة الاصلاح الاجتماعي والتنمية الاقتصادية عام 1946 كما أسست الحكومة نظام ضمان اجتماعي شامل تعهد بتأمين البطالة وتأمين المعاقين وكبار السن من أصحاب المعاشات ،وبالرعاية الصحية لجميع المواطنين وهذا ما تفتقده جمهوريتنا الثانية ولسنا في حاجة الى رسم الصورة من جديد ولكن هناك اوجه تشابه بين الماضي الفرنسي والحاضر التونسي في جانبه السياسي فقط اذ شهدت الجمهورية الرابعة حالة من عدم الاستقرار وبُذلت بعض المحاولات لتعزيزالسلطة التنفيذية للحكومة لإصلاح الوضع غير المستقر الذي كان موجوداً قبل الحرب، لكن ظل عدم الاستقرار باقياً وشهدت الجمهورية الرابعة التغييرات المتكررة في الحكومة – وتشكلت 21 حكومة على مدار تاريخها الذي إمتد لإثنى عشر عاماً. اضافة الى ذلك، ثبت أن الحكومة كانت غير قادرة على إتخاذ قرارات فعالة ويستمر الوضع متقلبا الى حين عودة زعيم الحرب شارل ديغول من تقاعده ليترأس الحكومة الانتقالية الجديدة المُخول لها كتابة الدستور الجديد . حُلت الجمهورية الرابعة باستفتاء جمهوري عقد في 5 أكتوبر 1958 الذي أسس الجمهورية الخامسة المعاصرة.
ولكن هل من المقدر علينا ان ننتظر 12 عاما للوصول الى نهاية النفق وننتهي من مطبات الجمهورية الثانية التي ولدت من رحم دستور شعاره الخفي ” انا لا أحكم وأنت لاتحكم ” والأخطر من هذا كله فان الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمكتسبات الاخرى التي ورثناها عن دولة الاستقلال اصبحت في مرمى المجهول .
اليوم رأس الجمهورية يقف أمام باب كبير ونافذة ضيقة وعليه الاختيار اما الخروج بمبادرة تنهي حالة الانقسام والحيرة التي تعيشها البلاد والخروج من الباب الكبير او مواصلة التشبث بالمعارك الصغيرة التي يختلط فيها العائلي والذاتي وهي التي ستحمله الى الخروج من النفاذة الصغيرة لا محالة وتحملنا جميعا الى ما لا يحمد عقباه .
تونس اليوم في حاجة الى قرارات عاجلة وشجاعة وليس أقلها دعوة شخصية قوية تختار فريقها المصغر لانقاذ ما يمكن انقاذه وتعيد البوصلة الى الشمال .