Accueilالاولىدراسة : الحركات الإسلامية لم تكن جاهزة لاستقبال الربيع العربي

دراسة : الحركات الإسلامية لم تكن جاهزة لاستقبال الربيع العربي

“لم يكن الإسلاميون غير مهيئين فقط لاستقبال الربيع العربي، بل لم يقوموا بأي جهد فكري وسياسي لإنتاج أطروحة تواكب هذا الحدث”، يقول الباحث المتخصّص في الحركات الإسلامية بلال التليدي، مضيفا أنّهم “لم يضعوا أي معادلات وحدود للممكِن فعلُه الذي يمكن تحقيق تراكم ديمقراطي فيه، بالقياس إلى القضايا الاستراتيجية واعتبارات الأمن الإقليمي، فضلًا عن إبصار الخطوط الحمر في خارطة الفاعل الدولي، ومعادلات التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وقواعد الاستقرار في شمال أفريقيا”.

وفي دراسة له نشرها موقع مجلّة “أواصر”، أورد الباحث بلال التليدي أنّ نتيجة غياب الاستعداد وغياب أطروحة تواكب حدث هي عدم مغادرة تفكير إسلاميّي العالم العربي “نسق المحافظة”، مع ترجيحه أن المستقبل “سيحكم على هذه التجارب بالتخلي القسري عن هذا النسق”.

وذكر التليدي أنّ مردّ ترجيحه لمغادرة تفكير الإسلاميين نسق المحافظَة مستقبلا هو “عجزهم عن التحول إلى حالة إصلاحية عامة في المجتمع، وعجزهم عن استثمار التحولات السياسية، سواء تلك التي تصب في صالحهم أو تلك التي تعاندهم، في صناعة تحالفات موضوعية من أجل الدمقرطة والإصلاح، مما جعل وضعهم في مربع السياسة ومربع المجتمع يتضاءل، وجعل قواعدهم الانتخابية تتراجع، بما في ذلك القواعد الوفية التي تصوت للإسلاميين من منطلق تقاسم المرجعية والقيم الإسلامية”.

وسجّل التليدي أنّ “المشكلة” تكمن في أن “المقايضة التي كانت الحركة الإسلامية، من موقع المعارضة، تناور بها للإبقاء على مكتسباتها العامة، الدعوية، لم تعد مجدية”؛ لأنه “بعدما كانت تقايض من موقع المعارضة بالتخفيف من ثقلها في السياسة، مع غض طرف السلطة عن تمدد نشاطاتها الدعوية العامة، فإنّ ثقلها الدعوي اليوم قد تخفف بشكل كبير نتيجة وضع ثقلها في العمل السياسي، وضعف عائداتها الدعوية، كما أنّ خصومها صاروا ينظرون إلى بعدها الإصلاحي العام، من عمل تربوي، ودعوي، وجمعويّ، واجتماعي، كبنية تحتية تستمد منها الحركة السياسية ثقلها وقواعدها الجماهيرية”.

ووضّح الباحث في هذا السياق أن “نسق المحافظة الذي كان يُهاجَر إليه عادة في حالة الأزمة”، صار هو نفسه “غير قادر على تدبير الأزمة والقيام بنفسه”، إضافة إلى أنّ الانعطاف إليه، في سياق تراكم الحالة الإصلاحية العامة، تنتج عنه “خسائر كبيرة في السياسة والانتخابات”.

وتساءل في هذا السياق: “هل ستتمّ العودة مع هذا إلى منطق نشارك ولو كانت النتيجة هي الخسارة حماية لمكتسبات الدعوة؟ أم هل سيتم إنتاج خطاب (وهم) جديد ينطلق من قاعدة المظلومية، وأن الحركة الإسلامية طالما تعرضت لهذه التحديات والمحن والابتلاءات، وأثبتت في الأخير انتصارها انتخابيًّا بسبب انحيازها لمصلحة الوطن، وتغليبها ما هو ذاتي عن ما هو مصالح عليا للبلاد؟”.

وسجّل بلال التليدي أنّ ما كان يؤطر رؤية الإسلاميين السياسية في بداية الثورات يتلخّص في ثلاثة عناوين أساسية، مع اختلاف أولوياتها في كل سياق على حدة، هي: “تثبيت الوجود السياسي، بإحياء التنظيم واستثمار الربيع العربي لتجميع قواه”، أو “تحقيق تقدم في الإصلاح السياسي”، أو “تمكين الإسلاميين من تحقيق خطوة أخرى في مسار تطبيعهم السياسي، وتمكينهم من المشاركة في مؤسسات الدولة”.

وذكر الكاتب أنّ هذه العناوين هي التي “ظل الإسلاميون يحافظون عليها، حتى وهم يستقبلون رياح الخريف الديمقراطي، ليتنازَلوا عن بعض مواقعهم في مربع الاندماج، ويروا مسار الإصلاح السياسي يتوقف أو يتراجع، دون أن تبرح أعينهم أبدًا مكتسبات الدعوة، والحاجة إلى تأمين الوجود، والحيلولة دون العودة إلى ماضي الحصار والإقصاء السياسي”.

وميَّزت الدراسة بتفصيل بين مختلف تجارب الحركات الإسلامية في العالم العربي مع الربيع الديمقراطي، باليمن والأردن والسودان والجزائر ومصر والعراق وسوريا وليبيا، لتثبت أنّ “الإسلاميين لم يعيشوا كلهم الربيع العربي، ولم يعش من عايشوه منهم في وضع واحد من التحولات السياسية وتدخلات الفاعلين الدوليين والإقليميين”.

وبعد تسجيل الدراسة أنّ قصارى ما كانت تتوقَّعَه الحركة الإسلامية، قبل الربيع، أن تفشل خيارات النظم السياسية العربية، سواء منها التي اختارت الاستئصال أو التي اختارت ضبط المشاركة السياسية والتحكم في نتائجها أو تلك التي اختارت تعطيل جدواها واستثمار مشاركة الإسلاميين لتحجيم دورهم وإضعاف شعبيتهم أمام قواعدهم الناخبة، ذكرت أن هذه الحركة غاب فيها توقّع “قيام حدث بارز يقلب موازين القوى لمصلحة الشعوب العربية”، لـ”تهيئ نفسها فكريًّا وسياسيًّا لحدث مثل الربيع العربي”.

ويبيّن الباحث أنّ “العقل السياسي للحركة الإسلامية في مختلف تشكيلاتها” لم يختلف في طريقة تفاعله مع الثورات وتداعياتها الإقليمية، وكان من ثوابته: تجنب الاصطدام بالفاعل السياسي الأقوى، سواء كان ملكية أو مجلسًا عسكريًّا أو غيرهما، وعدم الانفراد بالمبادرة السياسية وترجيح الاشتغال مع القوى السياسية والتوافق والشراكة معها، والميل نحو الإبقاء على عناصر البيئة السياسية المستقرة دون تغيير قواعدها، بما في ذلك شكل تفاعلها مع المحيط الدولي والإقليمي، والبعد عن المغامرة، والتريث حتى استكمال العناصر والشروط التي تبرر القيام بعمل خارج نسق المحافظة، مثل الالتحاق بالثورات، مع الاستمرار في اصطحاب مفهوم تأمين مكتسبات الدعوة”.

ورغم ما يظهر من جرأة في السلوك السياسي لبعض الإسلاميين، قد تفسَّر بالخروج عن حدود “نسق المحافظة” قلبًا للطاولة، مثل تجربة حركة النهضة التونسية بعد الثورة، أو عند مخاطبة عبد الإله بنكيران، الأمين العامّ لحزب العدالة والتنمية، للملك في المغرب لإبعاد بعض مقربيه، أو غير ذلك من المواقف، إلا أنّ التليدي اعتبرها “مواقف سياسية طارئة على فعل الإسلاميين، ليست في الجوهر سوى فعل تفاوضي يقوي موازين قوى لفائدة معادلة سياسية جديدة تقطع مع واقع الاستبداد والتحكم السياسي، أو هي رهان مدروس لبيان دور الحركة الإسلامية في صناعة التوافق”.

واستحضرت الدراسة في هذا السياق أنّ ما يبدو في الظاهر من ذكاء سياسي في تدبير تموقعات حركة النهضة في المشهد السياسي التونسي، “لا يخرج في المحصّلة عن نسق المحافظة، وإن كان يستعمل أدوات الضغط والتفاوض بالقوة، من أجل أن يؤول الأمر في الأخير إلى التنازل لصناعة توافق يحين وضع الإسلاميين ويبقيهم في السلطة”، لكن الدراسة اعتبرت أنها “محافظة من نوع مختلف، يتحقق عندها هدفان: تحصين المواقع، والظهور بمظهر الذي يقوم بدور تاريخي في صناعة التوافق بتنازله”.

واستحضارا للتجربة المغربية، قال الباحث بلال التليدي إنّ “سقف التطلعات بدأ عاليًا، وأنتِجت ديناميات كان يظهر من بعض سماتها رغبة في الخروج عن نسق المحافظة، لكنها انتهت في النهاية إلى إنتاج مقولة “الشراكة”، وتغيير عنوان “النضال الديمقراطي” بعنوان “البناء الديمقراطي”؛ في إشارة إلى أن الحركة دخلت مع المؤسسة الملكية مرحلة جديدة، توافق فيها الطرفان على ثلاث قضايا، هي: الملكية، الإصلاح، الاستقرار”.

وأضاف التليدي أنّه “سرعان ما تسرب الشك إلى عنوان هذه الشراكة مع ظهور مؤشرات من سلوك الدولة السياسي والانتخابي في محطة انتخابات 2015 و2016، لتتحول مؤشرات النكوص السياسي إلى علامات ظاهرة لخوض تجربة الانزياح عن المسار الديمقراطي، مع إعفاء بنكيران وتشكيل الحكومة بشروط غير الشروط التي أنتجتها الإرادة الشعبية المعبّر عنها في انتخابات السابع من أكتوبر 2016”

وزاد التليدي في قراءته للتجربة المغربية قائلا إن الأمين العام السابق للعدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، حاول قبل نهاية ولايته الانتخابية، من موقع رئاسته للحكومة وأمانته العامة للحزب، “أن يدشن مراجعات جديدة، تخرج حزبه من نسق المحافظة بإعلانه عن انسداد هذا المسار، والحاجة إلى تيار شعبي عام يمثل كل الحساسيات الديمقراطية، حيث بدأ يتحدث عن الحالة الإصلاحية العامة، وليس عن الحركة الإسلامية (التنظيم)”.

وترى الدراسة أنّ خروج بنكيران من رئاسة الحكومة بالإعفاء، وانزياح قيادة الحزب الجديدة عن الوفاء بالمحددات التفاوضية التي رسمها لتشكيل حكومة تعبر عن إرادة الشعب، وخروجه من قيادة الحزب، أعاد الحركة الإسلامية في المغرب إلى مربع المحافظة؛ إذ حكمت مواقفها السياسية “الحاجة لتأمين مكتسبات التنظيم الدعوية، والخوف من الدخول في مواجهة مفتوحة مع السلطة”، وهو ما أدخلها “في متوالية هندسية من التنازلات، كان آخرها التنازل عن مكون من مكونات الهوية المغربية، وثابت من ثوابت الحزب في ورقته المذهبية، وهو التمكين لفرنسة التعليم وإزاحة اللغة العربية من موقعها الدستوري كلغة تدريس رسمية، والتعلل في ذلك كله بعدم الرغبة في معاكسة إرادة الدولة في هذا الموضوع، وتأمين مكتسبات التنظيم”.

وبعيدا عن التفكير في أنساق الممارسة السياسية، يظلّ مستقبل حركة الإسلاميّين في السياسة، وفق تقدير دراسة بلال التليدي، مرتبطا بتتبع قواعد العقل السياسي الذي يشتغل به الإسلاميون، ومراقبة شكل تفاعله مع التحديات الجديدة، وطرقه في تدبير الإكراهات، ومدى قدرته على إجراء المراجعات الضرورية، بما في ذلك مراجعة النسق برمته، وإنتاج نسق آخر قادر على التكيف مع متطلبات المرحلة، هو الذي سيحدّد “إمكان تقدمهم، أو الإيذان بدخول مرحلة ما بعد الإسلاميين كما يروج لها خصومهم من السياسيين، وكما يروج لها أيضًا من الوسط الأكاديمي”.

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة