صور تخلد لذكرى أول عرض عسكري للجيش الوطني

0
61

تأسست القوات المسلحة التونسية رسميًا بموجب مرسوم صادر في 30 جوان 1956، لكن يتم الاحتفال بإنشائها كل عام في 24 جوان تخليدًا لذكرى العرض العسكري التاريخي الذي نظمته النواة الأولى للقوات المسلحة التونسية في 24 جوان 1956.

واجه تجسيم السيادة التونسية في ميدان الأمن والدفاع صعوبات كبيرة. فبينما لم تنته سنة 1956 إلاّ وحقّقت تونس سيادتها في المجال الديبلوماسي كان عليها انتظار سنوات أخرى لاستكمال سيادتها في مجال الدفاع الوطني. وكان على الدّولة التونسية أن تخوض عديد المواجهات لترغم فرنسا على الاعتراف بمسؤولية تونس كاملة في هذا المجال، والاعتراف  بحقّها في تكوين جيش وطني وإحباط مساعيها لعرقلة تجهيز وتطوير هذا الجيش، وإجبارها أخيرا، من خلال مواجهات دامية، إلى الجلاء عن كامل التراب الوطني بمغادرة آخر جندي فرنسي لقاعدة بنزرت في 15 أكتوبر 1963.

وبعد فض الخلافات وتجاوز الشّروط المسبقة شرع منذ 15 جوان 1956 في الإعداد لتشكيل النّواة الأولى لهذا الجيش.  وتمّت عملية تشكيل النّواة الأولى في ظرف خمسة أيام  (من 18 إلى 23 جوان 1956). ورغم السّرعة التي تمّت بها فإنّه تمكّن يوم 24 جوان من القيام بأوّل استعراض ناجح بمدينة تونس في ظروف مشرّفة جدّا أمام حشود جماهيرية غفيرة وحضور رسمي هام.

وتكوّنت النّواة الأولى للجيش الوطني التونسي من:

– عناصر من الحرس الملكي الذين انصهروا في القوّات المسلّحة وعددهم 850 بين ضبّاط وجنود.

– الهيئات المكلّفة بحفظ الأمن في البوادي والتابعة لوزارة الدّاخلية التونسية.

– التّشكيلات النّظامية لرجال الوجق والمخازنية.

– الضباط وضباط الصّف والجنود الذين وضعوا تحت تصرّف الحكومة التونسية من قبل السلط الفرنسية وعددهم 1300.

– الشبّان من حصّتي 1954 و 1955 البالغ عددهم 3000 شاب. مجهّزين ب 200 سيّارة و 4 مدافع و 5 قاذفات، وهي أسلحة أمريكية تعود إلى الحرب العالمية الثانية.

II– التّنظـيــم:

شرع في تكوين المؤسسة العسكرية التونسيّة من الأعلى: فقبل أن تنشأ الوحدات العسكرية أصرّت الحكومة التونسية على وضع تنظيم مركزي للدفاع يقوم على النّحو التالي:

– وزارة الدّفاع: تولاّها رئيس الحكومة نفسه (الحبيب بورقيبة) الذي تولّى أيضا رئاسة هيئة أركان القوّات المسلّحة، وتتكوّن من ديوان وإدارة مركزيّة ومصالح خارجية.

– مجلس أعلى للدفاع: تحت إشراف رئيس الحكومة ويضمّ نائب رئيس الحكومة، وزير الشؤون الخارجية، وزير الدّفاع، وزير المالية.

– اللّجنة الاستشارية للخبراء العسكريّين: مكلّفة بدراسة الوسائل التي من شانها أن تمكّن من تكوين الجيش التونسي، يرأسها الكاتب العام وتتركّب من ستة عشر (16) عضوا (14 ضابطا وموظّفين إثنين).

– هيئة الأركان: في 15 نوفمبر 1956 تمّ تعيين الرّائد محمّد الكافي في رتبه عقيد وتولّى مهام القيادة العليا للجيش، والرّائد الحبيب الطبيب في رتبة عقيد وتولّى مهام قيادة الأركان، والرّائد محسن السّقا في رتبة عقيد وتسمية العقيد حبيب السّقّا (شقيق محسن السّقّا) رئيس القسم المركزي للحرس الملكي، مراقبا للجيش.

وأسفر التّنظيم الحكومي الجديد، النّاجم عن إعلان الجمهورية، عن إلغاء وزارة الدفاع التي  كان يتولاّها رئيس الحكومة وتعويضها بكتابة الدولة للدفاع  وتولاّها الباهي الأدغم، والإحتفاظ بالكتابة العامة للدفاع الوطني والديوان ورئاسة الأركان والمصالح والصحّة والشؤون المالية Intendance والمعدّات وسلاح المشاة والمدفعية والإشارة والهندسة والمدارس.

 ومنذ إنبعاثه، وقع تنظيم الجيش الوطني ضمن أفواج حدّدت له مهمّة الدفاع عن حوزة الوطن وحدود البلاد والتّصدي للقوات الفرنسية بالجزائر ومنعها من اجتياز ودخول التّراب التونسي عند ملاحقتها للثوّار الجزائريّين الذين وجدوا في الأرض التونسية ملاذا وقاعدة خلفية لعملياتهم .

وكوّنت القوّات التي تجمّعت في بوفيشة يوم 18 جوان 1956 أوّل فوج تونسي وهو الفوج الأوّل لمختلف الأسلحة ويضمّ كتيبة مشاة وسريّة متركّبة من فصائل دروع وخيّالة وبطّارية  مدفعية وفصيل نقل. وأعيد تنظيم الجيش الوطني يوم 8 ماي 1957 عندما ارتفع عدد أفراده فانضم إلى صفوفه العديد من الجنود التونسيّين الفارين من وحداتهم الفرنسية وتمّ تعزيزه بمجموعة الضباط وضباط الصّف وجنود تونسيّين كانوا يعملون أو كانوا يتكوّنون في صفوف الجيش العراقي والسّوري.

وأصبح الجيش التونسي، بعد إعادة تنظيمه، يشتمل على خمسة أقسام وبعث فوجان آخران للمشاة: الأوّل بقابس والثاني بعين دراهم أمّا الفوج الثالث فتمّ بعثه بالقصرين. ثمّ تلاه بعث أفواج أخرى فيما بعد. كما تمّ بعث المركز الطبّي والاجتماعي بباب سعدون في شهر أوت 1956 وحلّ إدارة الحرس الملكي في بداية شهر أكتوبر 1956 وبعث مدرسة تكوين ضباط الصف بباردو في 14 نوفمبر 1956 وسن قانون التّجنيد الإجباري بالبلاد يوم 10 جانفي 1957.

وارتأت دولة الاستقلال أن تعطي الأولوية في تكوين الجيش الوطني لتشكيلات جيش البرّ وبالخصوص سلاح المشاة منه.  وبُرّر هذا الاختيار بالانخفاض النّسبي لكلفة التّجهيز وإمكانية تكوين هذه التّشكيلات وذلك بإحالة العسكريّين التّونسيّين المنخرطين بالجيش الفرنسي إلى هذه النّواة الأولى بالإضافة إلى عناصر الجيش الملكي ومن المجنّدين. ولم يحبحب هذا التّمشّي، التّفكير في إحداث جيش البحر وجيش الطيران. وفي هذا الصّدد تمّ فتح مكاتب لدى كتابة الدولة للدّفاع تعنى بإعداد الموارد البشريّة لتحقيق هذه الغاية فتمّ بعث مكتب جيش البحر ومكتب جيش الطيران سنة 1957.