Accueilافتتاحيةمن يجرؤ على الكلام

من يجرؤ على الكلام

في كتابه الذي يحمل عنوان ” عودة الأمير ” يقول القاضي باولو سكاربيناتو أنه زمن هيمنة المافيا على أجهزة الدولة الايطالية كانت الحكومات المتعاقبة تتحدث في كل شيئ حتى لا تفعل أي شيئ

والقاضي سكاريبناتو هو رفيق درب القاضي جوفياني فالكوني الذي قاد حربا شعواء على المافيا الايطالية وفكك منظومة السلطة والفساد قبل  اغتياله من قبل عصابات المافيا

وفي هذا الكتاب يكشف هذا القاضي عن العلاقة الوطيدة بين الفاسدين من القضاة ورجال الاعلام والاعمال والنقابات من الذين أسسوا امبراطورية اجرامية جعلت جميع الايطاليين على اعتقاد راسخ باستحالة سقوطها ولكن باصرار حفنة صغيرة من القضاة تفككت الامبراطورية و اختفى قادتها ممن نجوا من دخول السجن ليقضوا بقية حياتهم كالفئران المذعورة .

وما يقودنا الى ايطاليا ما نعيشه اليوم في تونس من وضع أكثر كارثية مما صنعته المافيا الايطالية بالشعب الايطالي سوى تعدد التصريحات من قبل أصحاب القرار في البلاد على محاربة الفساد ولم يخل برنامجا اذاعيا او تلفزيا واحدا عن الخوض في هذا الموضوع عدا نشرات الأحوال الجوية وهو أمر يذكرنا بتلك التصريحات والخطب اليومية حول دولة القانون والحريات زمن بن علي

فاليوم نتحدث عن جميع انواع الجريمة التي تنهك اقتصاد البلاد المنهك بطبعه لأسباب جمة وبعثنا العديد من المؤسسات والهياكل لمحاربة الفساد بكل أشكاله فهناك وزارة للحوكمة ومقاومة الفساد وهيئة وطنية لمكافحة الفساد وهياكل اخرى شبيهة لها في كل الوزارات فضلا عن عشرات الجمعية غير الحكومية المهتمة بالحكم الرشيد والشفافية لمقاومة الفساد  ولكن الامر يزداد سوءا مع كل خطاب او تصريح وبتنا وكأننا ننتظر طبيخا من وسط قدر لا يوجد به سوى ماء وحصي او طاحونة لا نسمع سوى ضجيجها مما يدل على ان حكومتنا الموقرة تتحدث في كل شيئ حتى لا تفعل أي شيئ

سوف لن نذهب بعيدا لنستشهد بما صرح به أحد ممثلي أركان الدولة التونسية وهو محافظ البنك المركزي السيد الشاذلي العياري الذي أكد حرفا على حرف أمام نواب من البرلمان التونسي يوم 20 جوان الجاري أنه  أحال أكثر من 80 ملف بحث من الوزن الثقيل منذ أشهر وحتى منذ سنوات على القضاء لكن لم يتم البت فيها اوحتى فتح الملفات إلى حدّ اليوم.

وفي أفريل الماضي أطلق العميد شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والرشوة صيحة فزع كانت شبيهة بصرخة في واد اذ اكد خلال انطلاق فعاليات المؤتمر السنوي الأول لمكافحة الفساد تحت شعار “مؤسسات تكافح الفساد” أن تونس في طريقها الى ان تصبح دولة مافيوزية  وأن ذلك يعود  الى غياب إرادة سياسية حاسمة لمكافحة الفساد و تعطل مسار العدالة الانتقالية ،

لقد احيلت العديد من ملفات الفساد على القضاء وأبطالها من كبار المسؤولين في الدولة ولكن لم يبادر المسؤول الاول في الحكومة ولدرء اي شبهة تواطئ أو ارتخاء الى ابعاد هؤلاء المسؤولين عن مواقعهم ولو مؤقتا الى حين استكمال التحقيقات ولكن يبدو ان الامر اقوى من رئيس الحكومة ومن اعضاده الذين يرفعون ذات الشعار وكأننا بصدد دولة عميقة تدير خيوط الفساد بكل راحة بال .

لقد بتنا اليوم على قناعة تامة وبعد طول انتظار  بأن شعار محاربة الفساد والواقع الذي نعيش ينفصلان عن بعضهما بصورة حادة . فأصحاب القرار في الدولة يدعون انهم يحاربون الفساد ولكن هل فعلوا ذلك فعلا ..

لا يكفي ان تتحدث الاف المرات عن محاربته فيكفي ان تنتقل الى الفعل مرة واحدة …

يقول القاضي روبرتو سكاربيناتو زمن المافيا كنا لا نرى سوى الاسماك الصغيرة يزج بها في السجون أما الحيتان فهي من يتحكم في مفاتيحها .

 

 

Jamel Arfaoui
Présentation
مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة